أصدر وزير التجارة والصناعة خالد الروضان قراراً وزارياً في شأن تنظيم العمل بمعيار التقارير الدولية رقم "9" على أن يبدأ تطبيقه رسمياً اعتباراً من بداية شهر يناير 2018 أو يتم تطبيقه اختيارياً من تاريخ صدور هذا القرار.لكن قبل إصدار القرار رسمياً، ومنذ صدور المعيار من المجلس الدولي للمعايير عام 2014 والجهات الرقابية تنبه إلى أخذه بعين الاعتبار والاستعداد له، ومن أبرز الجهات، التي وجهت بذلك بنك الكويت المركزي.
وأيضاً عقد عدد من مكاتب التدقيق المحاسبية الكبرى الكثير من ندوات التوعية به، وعليه، حسب مصادر رقابية، هناك نسبة كبيرة من الشركات وتحديداً البنوك أخذت بعين الاعتبار ذلك المعيار، الذي يأتي استكمالاً لسلسلة التحوط المبكر واستخدام قياسات أفضل في التعثرات وبناء المخصصات المالية. وعلى هذا الأساس، لا يمكن اعتباره وبالاً بل ستكون إثارة إيجابية للشركات والمستثمرين عموماً. وأفاد مصدر مصرفي لـ"الجريدة" بأن الجهات الرقابية هي عادة أكثر تشدداً من المعايير المحاسبية، وعلى سبيل المثال: البنك المركزي يعمل وفق قاعدة بهذا الشأن، وعند تقدير المخصصات تحديداً، بمعنى إذا كان طلب البنك المركزي خصم مخصصات أكثر من متطلبات المعيار المحاسبي، فإنه يتم خصم الأكثر والأعلى، بالتالي، لن يكون هناك تأثير يذكر بالنسبة للقطاع المصرفي. وذكرت مصادر مالية أن شريحة من الشركات، هي التي ستحتاج إلى عمليات توفيق أوضاع، غير أن هناك شريحة كبيرة من الشركات المحفظة تتميز بتفوق مبكر في الالتزام بمثل هذه المعايير وتجربة الحوكمة خير دليل، إذ كانت الكثير من الشركات تلتزم بمعاييرها قبل تطبيقها رسمياً.وللإشارة، فإن النسخة النهائية من المعيار رقم 9 من المعايير الدولية لإعداد التقاريرالمالية جاءت لتحل محل المعيار الدولي رقم 39 بشأن الأدوات المالية، على أن يكون واجب التطبيق اعتبار من 1 يناير 2018 علماً أنه كان مسموحاً التطبيق المبكر له منذ صدوره.وتضمن الإصدار للمعيار الجديد أساساً منطقياً واحداً فيما يتعلق بالتصنيف والقياس للأدوات المالية فيما يتعلق بتوقع الخسائر ونموذج انخفاض القيمة وأسلوب الإصلاحات المستدامة في محاسبة التحوط.ويحدد التصنيف كيفية الاحتساب للموجودات والمطلوبات المالية في البيانات المالية، وعلى وجه الخصوص، كيف يتم قياسها بصفة مستمرة. ويقدم المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 9 نهجاً منطقياً لتصنيف الموجودات المالية، التي تقودها خصائص التدفقات النقدية ونموذج الأعمال المتبع للاحتفاظ بالأصل. وهذا النهج المرتكز على المبدأ principle-based approach سيحل محل النهج الحالي المرتكز على القواعد rule-based التي تعتبر عموماً أكثر تعقيداً وأصعب في التطبيق، كما شمل المعيار معالجة الانخفاض في قيم الأصول بطريقة واحدة لجميع الأدوات المالية، بالتالي إزالة مصدر من التعقيدات المرتبطة بالمتطلبات المحاسبية السابقة.
الاعتراف المبكر
خلال الأزمة المالية عام 2008، وما صاحبها من الاعتراف المتأخر لخسائر الائتمان فيما يتصل بالقروض وغيرها من الأدوات المالية تم اعتبار ذلك على أنه نقطة ضعف في المعايير المحاسبية آنذاك. وبناء عليه، فقد أدخل المجلس الدولي للمعايير المحاسبية كجزء من من المعيار رقم 9 من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية نموذجاً جديداً لإثبات الخسائر المتوقعة من انخفاض القيمة، الذي يتطلب الاعتراف بخسائر الائتمان المتوقعة بشكل أسرع. وعليه يمكن القول، إنه سيتم توديع الآلية القديمة بتأخير أخذ الاعتراف المتأخر لخسائر الائتمان. وعلى أساس ذلك، فإنه يصب في خانة حماية الشركات كافة واستقراء الوضع والتحوط له بشكل مبكر، لذلك ليست هناك تداعيات سلبية تذكر، خصوصاً بعد مرور نحو 8 سنوات من المعالجات المستمرة واتباع التحوط كنهج في كل العمليات المالية التي تلت الأزمة المالية.على وجه التحديد، يمكن الإشارة، إلى أن المعيار الجديد يتطلب من كيانات الأعمال تسجيل الخسائر الائتمانية المتوقعة من الوهلة الأولى للاعتراف بالأدوات المالية، ويجب الاعتراف بالخسائر المتوقعة على مدى العمر الافتراضي لها وبصورة أسرع، وعليه سيتبع ذلك معالجة أسرع وفق ضوابط. وبخصوص خصم المخصصات كاملة، فإن هذا الأمر له ضوابط أيضاً إذ لن يكون الخصم كاملاً خلال فترة استثنائية، لأن الأمر مرتبط بتقارير مراقبي الحسابات وموافقة الجهات الرقابية لمن لديهم موافقات سابقة حتى الآن ومستمرة لديهم.إفصاحات وتحوط
يطرح المعيار رقم 9 من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية النموذج الذي شهد تعديلاً إصلاحياً كبيراً لمحاسبة التحوط، مع تعزيز الإفصاحات بشأن نشاط إدارة المخاطر، ويمثل النموذج الجديد تعديلاً هيكلياً شاملاً لمحاسبة التحوط، الذي من شأنه تحقيق المواءمة بين المعالجة المحاسبية وأنشطة إدارة المخاطر، مما يتيح لكيانات الأعمال أن تعكس تلك الأنشطة بشكل أفضل في بياناتها المالية.نتاج دروس الأزمة
يمكن القول عموماً، إن هذا المعيار جاء استجابة لدروس الأزمة المالية العالمية، إذ اتضح أن أحد أسباب امتداد أمد الأزمة هو التأخر في الاعتراف بخسائر الديون، إذ كان يتم الاعتراف بالخسائر حين التحقق منها، أما المعيار الجديد، فإنه يتطلب احتساب مخصصات للديون بناء على التوقعات بحدوث تعثر أو عدم الدفع من جانب المقترض.ومن المعروف، أن المصارف كانت تحتسب نوعين من المخصصات، الأول محدد موجه لمقابلة حسابات متعثرة بعينها، ويتفاوت حجم المخصصات بناء على حجم التعثر، والنوع الثاني معني بالمخصصات العامة، التي تغطي كل الاحتمالات لمجموعة محفظة التمويل. وصحيح أن المصارف المركزية باتت تتشدّد أكثر في بناء المخصصات العامة كاحتياط للعوامل غير المرئية، مما يعني أنها باتت تقترب من تطبيق المعيار الجديد 9 لكن في شكل غير مباشر إلا أن المعيار الجديد هو أكثر تحديداً ووضوحاً في هذا المجال.وما أدى فعلياً إلى تفاقم الأزمة المالية عند وقوعها، أن المصارف لم تكن تمتلك في ذلك الوقت مخصصات في مقابل التمويلات التي تعثرت لاحقاً.من هنا برزت ضرورة التفكير في تحديد مخصصات، حتى على الديون الجيدة، نظراً إلى أن أي تمويل من الممكن أن يتعثر حتى في حال كان التمويل جيداً وتبقى ثمة احتمالات، وهنا سيتم تقيم المخاطر بشكل أعمق. ويدخل تطبيق هذا المعيار تغييراً كبيراً بالنسبة إلى المصارف خصوصاً، مما يضطرها إلى إحداث تعديلات جوهرية على أنظمتها، كما ستبدأ بأخذ تاريخ تعثر التمويل سابقاً في الاعتبار.