من القضايا المهمة التي أثارها رئيس المحكمة الكلية المستشار د. عادل بورسلي، في كلمته بمؤتمر الحوكمة الذي نظمه مجلس الأمة أخيراً، والتي يجب التوقف بشأنها، مسؤولية المجلس الأعلى للقضاء في بناء شخصية القاضي، وهي مسألة برأيي تستحق التوقف بشأنها لسببين: الأول أن هذا الحديث صادر عن مسؤول يتولى رئاسة المحكمة الكلية، التي تتولى سنوياً الفصل في قرابة مليون قضية، والثاني أن المستشار بورسلي عضو في مجلس القضاء المعني بالإشراف على شؤون القضاة وترقيتهم والتفتيش عليهم والعمل على تطوير أدائهم.والتوقف برأيي عند تلك المسألة يأتي لمناقشة قضية سبق أن تعرضت لها ومن الجيد إثارتها من أحد مسؤولي السلطة القضائية، وهي مناقشة مستوى كفاءة القضاة، وهو ما يتطلب برأيي إنشاء جهاز أو وحدة داخل الجهاز القضائي تتولى قياس الدرجة التي يتمتع بها عضو القضاء، على أن تعمل تلك الوحدة على الاطلاع على الأحكام التي يصدرها القاضي، وبيان الدرجة القضائية التي يجب أن يتمتع بها، فضلاً عن بيانها العناصر التي يتضح بها مستوى الضعف لدى القاضي، وذلك من خلال المسائل التي تكشفها عملية التقييم.
وتكمن أهمية تلك المسألة في أنها ستعمل على تحقيق الإشراف المستمر على مستوى القاضي الفني في كتابة الأحكام، وبيان مهاراته في استخلاص المسائل الواقعية وربطها بالقواعد القانونية المناسبة لها، فضلاً عن إشارتها إلى مناطق الضعف الفني لدى عضو القضاء، مما يساهم في تطوير أدائه الفني، وسيساهم أيضاً في جودة الأحكام التي يصدرها، وفي الجلسة التي يديرها والشخصية القانونية التي يجب أن تتحقق فيه.والأهمية التي أرى تحققها من وجود هذه الوحدة الفنية أو الجهاز المطلوب إنشاؤه داخل السلطة القضائية هي التوصية بتطوير أداء العنصر القضائي بعد ثبوت ضعفه فنياً بإحدى المسائل، وذلك من خلال مخاطبة معهد الكويت للدراسات القضائية لتوفير دورات في المناطق التي يتبين بها ضعف مستوى القاضي، أو التوصية بندبه للتدريب على الكتابة وتسبيب الأحكام لدى نيابة التمييز مدة ستة أشهر أو عام كامل، إلى جانب استمراره بالعمل كقاضٍ لضمان رفع مستواه الفني.وستكون تلك الوحدة أو ذلك الجهاز بمنزلة حلقة الوصل بين إدارة التفتيش القضائي ورئاسة المحكمة التي ينتمي إليها القاضي ومجلس القضاء، لأن الواقع العملي اليوم يشهد التفتيش على أعمال القاضي وأحكامه وفق الدرجة التي ينتمي إليها وينتهي التفتيش عليه بمجرد أن يكون مستشاراً في محكمة الاستئناف، في حين أن هناك درجات قضائية أخرى يشترط القانون فيها البقاء للحصول عليها، لكن لا يشترط فيها التفتيش، كما أن مسألة صلاحية رجل القضاء لممارسة العمل القضائي من الناحية الفنية مسألة لا تتوقف على درجة محددة لأنها مسألة بطبيعتها متغيرة، ولمجلس القضاء أن يتأكد منها بين الحين والآخر وصولاً إلى مبدأ كفاءة العنصر القضائي. ربط هذا المقال بحديث المستشار د. عادل بورسلي عن بناء شخصية القاضي لا يعني انطباقه على كل السادة القضاة، بل يأتي في سياق التحذير العام من ضعف المستوى الفني للعديد من العاملين في الأجهزة والقطاعات القانونية في الدولة، والذي بدا واضحاً في مستوى بعض أساتذة الجامعة، رغم أنهم في مقدمة المعنيين بالبحث العلمي والمحامين والمستشارين في الإدارات والهيئات الحكومية، ولا يخلو هذا الضعف لدى بعض السادة القضاة، ومن المهم أن يعمل مجلس القضاء على إزالته وتطوير أداء رجاله فنياً بما يعود بالتأكيد على جودة الأحكام، وعلى أداء رسالة القضاء.
مقالات
مرافعة : شخصية القاضي بين الكفاءة والتطوير!
24-10-2017