«لا تقولي إنك خائفة»
تبدو الرواية منصة أدبية مؤهلة تماماً لنقل حكايات البشر، وهي مؤهلة في اللحظة الراهنة أكثر من أي جنس أدبي آخر لأن تصل إلى أكبر شريحة من القراء حول العالم. وهذا تماماً ما قام به الكاتب الإيطالي (جوزِبَّه كاتوتسيلا- Giuseppe Catozzella) في روايته الصادرة باللغة العربية عن دار منشورات المتوسط بعنوان «لا تقولي إنك خائفة». الرواية منذ نشأتها كانت جسراً بين طرفين هما: الواقع والفن. فهي تأخذ من الواقع حكاياته البسيطة والعادية، حوادث حياة البشر بكل ألوانها، ومن ثم تُلبس هذه الحكايات ثوب الفن المبدع، ولحظتها تتغير الحال، تنتقل قصص الواقع من كونها قصص واقع مرَّ وانتهى إلى قصص حياة فنية باقية. وهنا تكمن عظمة الفن في قدرته على توثيق وتخليد الفعل الإنساني البسيط، ليشكّل تاريخاً ناطقاً وباقياً بقاء الإنسان.رواية «لا تقولي إنك خائفة»، تقدم مغامرة طفولة وحياة المرأة الصومالية «سامية يوسف عمر»، وما سطّره مؤلف الرواية كاتوتسيلا من ملاحظات في نهايتها، يشكّل أهمية كبيرة لكتّاب الرواية، وتحديداً الكتّاب الشباب. فهو يقدم السر الأهم في إقدامه على كتابة روايته: «تعرفت بالمصادفة على قصة سامية يوسف عمر في 19 آب/ أغسطس 2012، في لامو، في كينيا. كان ذلك في الصباح عندما كانت قناة الجزيرة الإخبارية تقدم تقريراً موجزاً عنها عقب اختتام أولمبياد لندن.» ص257، كاتوتسيلا، وبمجرد سماعه القصة الحقيقية دار بباله إمكانية أن تكون هذه القصة رواية، وفوراً تحرك لصنع ذلك، قابل الكاتبة الصحافية التي نشرت الخبر، ولقد قادته للوصول إلى أخت بطلة روايته «هودان»، وكما لو أنه وقع على كنزه المنشود، استمع منها ومن آخرين لتجربة سامية وكتب روايته.
صدرت الرواية عام 2014 عن دار النشر الإيطالية «فلترينيللي»، وفي غضون شهور قليلة باعت أكثر من مئة ألف نسخة... ثم حازت الرواية جوائز أدبية من أهمها جائزة «كارلو ليفي» الأدبية، وجائزة «لوستريغا» أهم وأعرق جائزة أدبية في إيطاليا، وسريعاً تُرجمت الرواية إلى كل اللغات الأوروبية. الرواية تقدم قصة حياة الطفلة الصومالية سامية، وحلمها منذ طفولتها لأن تكون عدّاءة تصل إلى العالمية، وصداقة حياتها منذ طفولتها مع «علي» ابن جيرانهم الذي تتقاسم أسرته العيش مع أسرتها في بيت واحد، حيث والد علي صديق والد سامية ويعملان معاً في بيع الخضار بالرغم من تحدرهما من قبيلتين مختلفتين. ولقد عمِد المؤلف إلى نقل تفاصيل التفاصيل الحية للأسرة الصومالية ومن ثم عيش المجتمع الصومالي بواقعه المر من خلال عينيّ بطلته سامية ولسانها. الرواية تصور إلى جانب تفاصيل الواقع اليومي في مقديشو، ترعرع حلم صغير في رأس فتاة، فسامية الفتاة الضعيفة والطويلة والسريعة في الجري تحلم بأن تكون عدّاءة، وهي في سبيل حلمها تسخّر كل حياتها. لكن يصادف ترعرع هذه الحلم مع نشوء وترعرع الحرب الأهلية في الصومال، وبدء تكوّن الجماعات الإسلامية الإرهابية المتطرفة، وكيف أن هذه الجماعات تختار وقودها من الشباب المراهقين أبناء العوائل الفقيرة.استطاع المؤلف أن يُكسب روايته الكثير من المصداقية، وذلك باستخدامه الذكي لضمير المتكلم، حيث جاءت الرواية على لسان البطلة سامية، ومنها يتعرف القارئ على أدق تفاصيل الواقع المعيشي، ويعيش هواجسها وأحلامها وسعاداتها القليلة مع أسرتها، وكذلك مواجعها بإصابة الأب، وأخيراً تصور الرواية كيف تستحيل الحياة جحيماً في ظل وجود جماعات إرهابية تعطي للأطفال فرصة حمل سلاح والفتك بالبشر كيفما شاؤوا. الرواية تأتي على ذكر مأساة الشعوب الإفريقية وما يضطرهم لمغامرة الهروب المؤلم، مؤلم من جهة مفارقة الأهل والوطن، ومؤلم من جهة المجهول، فالكثير ممن عزموا على الهرب ماتوا في الطريق سواء كان هذا الموت جوعاً أو قتلاً أو غرقاً. ومؤكد يشكّل هذا الجانب عنصراً مهماً من إقبال القارئ الأوروبي على الرواية.الرواية سجل توثيق اللحظة الإنسانية العابرة، وهذا ما فعلته رواية «لا تقولي إنك خائفة».