«الخطاب السردي في الدراما التلفزيونية»...
«النص المرئي» لروائع الأدب العربي على الشاشة
صدر عن «الهيئة المصرية للكتاب» كتاب «الخطاب السردي في الدراما التلفزيونية» للناقدة سميرة أبو طالب، وتتناول من خلال فصوله دراسة وافية لأعمال الكاتب الدرامي الكبير محفوظ عبدالرحمن (11 يونيو 1941 - 19 أغسطس 2017)، وإسهاماته المتفردة في النص التاريخي، وحضوره الإبداعي المتفرد عبر مسيرة تجاوزت نصف قرن.
في تقديمها لكتاب «الخطاب السردي في الدراما التلفزيونية»، لفتت المؤلفة سميرة أبو طالب إلى غياب النقد العربي عن تناول الدراما التلفزيونية، باستثناء بعض الإشارات في كتابات بعض النقاد، وتشديدهم على أهمية الإفادة من هذا «الوسيط المرئي» على هذا النحو الذي جاء في دراسات النقاد الراحلين د. علي الراعي، ود. عبد القادر القط، ود. شوقي ضيف. ألمحت المؤلفة إلى رؤية النقاد الثلاثة وعدد من الباحثين، أن الدراما التلفزيونية، تتيح اتساع دائرة التلقي للنصوص الإبداعية، وتوظيف إمكانات هذا الوسيط لفتح مجال أرحب إزاء اللغة العربية، كي تكتسب بعداً إيحائياً، يضيف بصيرة أخرى إلى المتلقي، وإمكان استثماره في إعادة إنتاج روائع الأدب العربي، بل وتقديم فترات تاريخية بقراءة نابضة، اعتماداً على لغة الصورة الكاشفة للكامن وراء لغة «النص المكتوب». ارتأت المؤلفة أن أعمال محفوظ عبد الرحمن تتبع هذا السياق، وتقدم أكثر من وجه للتعامل مع الإبداع الدرامي التلفزيوني، تحديداً التاريخي، لافتة إلى أن هذه الدراسة تراوح بين تحليل النص المكتوب وخطابه، وأيضاً قراءة الصورة لهذا النص، ويتجلى هذا في النصوص موضع الاختيار، ومن بينها «سليمان الحلبي» 1975، و«عنترة» 1977، و«الكتابة على لحم يحترق» عام 1987.
لغة الصورة
انتقلت مؤلفة الكتاب إلى أبعاد الصورة في النص المشهدي، وتفردت أعمال عبد الرحمن بوجود عناوين فرعية للمشاهد، من بينها دراما «سليمان الحلبي» بهدف تهيئة الذهن لأحداث النص الدرامي، من خلال عنوانه الرئيس، وربطه بالعناوين الأخرى، وإنتاج دلالات تتكئ على أكثر من تقنية أدبية، تحفز مخيلة المتلقي لمتابعة السرد، حتى نهاية الحلقة. تمكن أهمية محفوظ عبد الرحمن، ككاتب متفرد، أن يفتح أفق التوقع الدلالي عند المتلقي، ذلك من خلال استخدام اللقطات داخل النص المشهدي، وإن كانت لغة الصورة تعطي الأهمية والفاعلية، لما يأتي على يسار «الكادر» باعتباره الأقوى في الفعل الدرامي، بل هو في «سليمان الحلبي» محرك الأحداث، ومحور النص الدرامي». أشارت المؤلفة إلى التكثيف الزمني كسمة رئيسة في أعمال عبد الرحمن، وحرصه على ربط الحدث التاريخي باللحظة الراهنة، وليس اختيار البناء الشكلي في نصوصه، وليد المصادفة، بل هو نتاج وعي الكاتب، وإدراكه طبيعة طرح أفكاره، ورؤيته لاستلهام التاريخ في نصوصه الدرامية. كذلك عمد محفوظ عبد الرحمن إلى تطوّر الشخصيات داخل المشاهد الدرامية، من خلال احتكاكها بمحاور الصراع الدرامي الذي يؤثر في الحتمية على أفكارها وأفعالها، ولا يهم إذا كان التطوّر إلى الأفضل أو الأسوأ، لأن السرد يتنامى وفق سياقاته التاريخية، ورؤية الكاتب التي تحلق في فضاء التخييل ومقاربة الأحداث المؤرخة، وحتى التي في مرمى التأويل.الحوار الدرامي
يحتلّ الحوار في الدراما التلفزيونية مكاناً بالغ الأهمية، وإليه تتّجه الأنظار في تحليل مضمون الخطاب الدرامي الموجه من خلال النص. وحسب مؤلفة الكتاب فإن محفوظ عبد الرحمن عبر نصوصه، كرّس اهتمامه لتلك الآلية، بغية الوصول إلى المتلقي، سواء كان النص درامياً للمسرح، أو للسينما أو التلفزيون، فالحوار قاسمها المشترك كفنون أدائية. انتهت المؤلفة إلى تفرد عبد الرحمن بما يسمى «المبارزات الحوارية» التي تأتي فيها الجمل قصيرة، وفي كلمات موجزة، وسريعة الإيقاع، ولا تخلو نصوصه منها، ويأتي بها في مواضع لا تحتمل سوى الحسم، في ما يتعلّق بقضايا المصير والوجود العربي. «الخطاب السردي للدراما التلفزيونية» الكتاب الثاني للناقدة سميرة أبو طالب عن إبداع محفوظ عبد الرحمن، إذ أصدرت عام 2013 كتابها «محفوظ عبد الرحمن، مقاطع من سيرة ذاتية» وتضمنت فصوله بداياته مع الكتابة الدرامية والقصصية والروائية، والقضايا التي تضمنها إبداعه. يذكر أن الكاتب محفوظ عبد الرحمن، رحل عن عالمنا في 19 أغسطس الماضي، بعد صراع طويل مع المرض، ويعد أحد أهم كتاب الدراما التاريخية في العالم العربي، وأبرز أعماله «بوابة الحلواني، وعنترة، وسليمان الحلبي، وفيلم «ناصر 56». مسرحياً كتب «محاكمة السيد ميم، والسندباد البحري»، ونال جوائز وتكريمات عدة، من بينها الجائزة التقديرية في الفنون عام 2002.
قراءة نقدية لاستلهام التاريخ في مؤلفات محفوظ عبدالرحمن