عن نفسي عشت شعور العديد من اللاجئين بضع ساعات، وكنت دوما أشعر بمشقة رهيبة، وأنا حاليا في بنغلادش وتحديدا في منطقة "كوكس بازار" لتغطية مساعدات جمعية الهلال الأحمر الكويتية هناك للاجئين الروهينغيين، ورغم أنني أقطن في فندق جيد، وأعيش أغلب يومي حياة طبيعية، فإن الفضول في ساعات توزيع المساعدات يأخذني دوما لأتطلع كيف يعيش اللاجئون.وهذا الفضول قادني في أكثر من مخيم لزيارة بعض اللاجئين الذين يقطنون في مأوى لا يرتقي أن يكون خيمة، بل لا يزيد على بضعة أخشاب تلتف حولها أقمشة أو بلاستيك فقط لا غير، ولا تتوافر لديهم أبسط أساسيات الحياة.
وأردت أن أعيش تجربتهم بعد أن يستلموا حصصهم الغذائية، فاتضح أنهم يسلكون طرقا وعرة بسبب الأمطار والطين والمستنقعات والمرتفعات الخطيرة، لينتهي أمرهم بما يشبه الخيمة في أعلى التلة، ما بين لاجئين قدامى ولاجئين جدد، فالوضع كارثي فعلا، وهم متقبلون الوضع لأنهم كانوا مهددين بالموت حرقا في ميانمار. لطالما كانت مأساة مسلمي بورما أو الروهينغا علامة استفهام بالنسبة إلي، واليوم بتّ أمتلك بعض الأجوبة عن أسئلتي المعلقة منذ سنوات، إذ يتعرض مسلمو ميانمار للتطهير العرقي منذ ما يقارب 70 عاماً، الأمر الذي جعل بعضهم يهاجر للسعودية أو الدول الإفريقية، ومنذ الثمانينيات تم سحب المواطنة منهم في بلدهم، تخيل أن تعيش غريبا في وطنك، ومؤخرا اشتعل فتيل القتل في 25 أغسطس 2017 حين ادعى جيش ميانمار تعرضه للتهجم من المسلمين، وكردة فعل قام بإبادة متعمدة لقرى المسلمين بالحرق والتعذيب حتى الموت، وكما هو معروف كانت تلك حجة الجيش للقيام بالتطهير العرقي الذي يسعى إليه منذ سبعين عاما.تستقبل بنغلادش هذا البلد الفقير ما يقارب مليون لاجئ روهينغي، نصفهم لجأ منذ أغسطس المنصرم فقط، وتعتبر تلك أكبر وأسرع حركة نزوح يمر بها العالم حاليا، والأمر المؤلم هو عدم رغبة بنغلادش بالاعتراف بهم كلاجئين لعدم قدرتها على استقبالهم وإعادة توطينهم في بلادهم التي تعاني ظروفا اقتصادية صعبة، لذا اعتبرتهم مهاجرين غير شرعين، وهو الأمر الذي يجعلهم يقطنون في مخيمات غير مجهزة وغير مؤهلة للحياة، ويعيشون على مساعدات المنظمات الإنسانية التي هبت لمساعدتهم من جميع العالم.ولكن تبقى مأساة مسلمي الروهينغا تحتاج إلى حل سياسي دون عبارات الأسف من المنظمات الحقوقية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، كما تحتاج إلى تدخل دولي ينهي هذا الاضطهاد القائم منذ 70 عاماً، وما زال مستمرا ومتوارثا عبر الأجيال.ورغم إمكانات بنغلادش المتواضعة فإن شعبها ومتطوعيها هبوا لمساعدة الإنسان المحتاج رغم فقرهم، وهو الأمر المثير للإعجاب حقا.قفلة:أتمنى أن نتعظ كمسلمين من تجربة الأقلية المسلمة في ميانمار، ونحترم الأقليات أينما كانت دون تكفير، فما يمارس على مسلمي الروهينغا هو شبيه جدا بما قام به "داعش" تجاه الأقلية الأيزيدية في كردستان العراق، فالتعايش وتقبل الآخر هو طريقنا الوحيد للسلام.
مقالات
منظور آخر: هل عشت كلاجئ ليوم؟
26-10-2017