في نهاية أكتوبر الماضي نشرت منصة "بيت فاينكس" توقعاتها لسعر عملة البتكوين الرقمية، في نهاية عام 2017، عند مستوى 2200 دولار، مما اعتبره المستثمرون وقتها مبالغة في التوقعات، لعملة لم تتجاوز قيمتها وقتذاك 850 دولاراً.

ومع قرب نهاية أكتوبر الجاري، اخترقت "بتكوين" مستوى 6 آلاف دولار، مما رفع قيمتها السوقية الى 100 مليار دولار، لأول مرة منذ تأسيس هذه العملة عام 2008، وارتفاع شعبيتها في التداول على المنصات الإلكترونية في عام 2015، مع رهان المستثمرين على مزيد من المكاسب لمستويات ترفع قيمتها السوقية إلى ارقام فلكية لم ترد في حسابات مستثمري البورصات والسلع التقليدية!

Ad

وبتكوين ليست الوحيدة في سوق العملات الرقمية، لكنها الأكثر شعبية، فهناك أيضا لايتكوين وبيركوين وإثيريوم، التي انهارت ذات ليلة من 319 دولاراً إلى 10 سنتات فقط، قبل ان تعاود الصعود الى مستويات 350 دولاراً، خلال ايام قليلة.

عالية التذبذب

بالطبع هذه النوعية من الأدوات المالية عالية التذبذب والمخاطر والجديدة على عالم الاستثمار استحوذت على اهتمام رفيع المستوى على مستوى البنوك المركزية وهيئات الأوراق والسلع في العديد من دول العالم وتنوع التعامل معها، ما بين منع تداولها او التحذير منها، أو على الاقل وضع قنوات تنظيمية شديدة الصرامة لتعاملاتها.

فالصين أوقفت منصات تداول العملات الرقمية، اعتباراً من سبتمبر الماضي، مع تحذيرات السلطات الصينية من المخاطر الاستثمارية المحتملة، وكذلك فعلت روسيا وايسلندا، اما الولايات المتحدة فقد حذرت هيئة الأسهم والمبادلات الأميركية من اكتتابات العملات الرقمية، وأن المستثمرين بها يلامسون الخطوط الحمراء، لسهولة القيام بتنفيذ عمليات احتيال تخالف قوانين الاستثمار الفدرالية، في حين تضع ألمانيا وبريطانيا تنظيما يخضع للدراسة الدورية والتقييم، فضلا عن فرض نظم ضريبية على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بالبتكوين، مما يسهل مراقبتها او التخفيف من مخاطرها.

السعودية والإمارات

خليجياً, يبرز موقف السعودية والامارات في منع تداول العملات الرقمية، إذ قالت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) إن البتكوين لا تعد عملة معتمدة داخل المملكة، والتعامل بها أو بغيرها من العملات الرقمية له عواقب سلبية مختلفة على المتعاملين، لأنها خارج المظلة الرقابية داخل المملكة، أما المصرف المركزي الإماراتي فحذر من خطورة التعامل بها، وشدد على أن تعامل الأفراد بالعملات الرقمية محفوف بالمخاطر، فضلاً عن امكانية استخدامها في عمليات غسيل الأموال.

سلبيات ومخاوف

وفي الكويت, ثمة تعاملات على نطاق يصعب قياسه في العملات الرقمية، وتحديداً "البتكوين"، لكنها تتداول من خلال شركات الوساطة المالية، خارج البورصة، وعدد من الأسواق المركزية الخاصة، فضلاً عن إعلان إحدى الشركات العقارية، بشكل رسمي، فتحها لمحفظة "بيتكوين"، لتسديد الإيجارات وشراء العقارات، بحجة عدم وجود تشريعات تمنع التعامل بها، مما يفتح المجال للتساؤل حول دور الجهات الرقابية في الكويت، وخصوصا بنك الكويت المركزي ووزارة التجارة والصناعة، حيال هذه العملات الرقمية، إذ لم يصدر أي قرار يتعلق بالمنع او التحذير او التنظيم، مما قد يفتح المجال لسلبيات عديدة قد تخلق ازمة نظامية على صعد اقتصادية وأمنية وغيرهما، إذ توسع انتشار هذه التعاملات في ظل غياب جهات الرقابة والتنظيم.

أكبر من مخاطرة

وربما يتساءل البعض: ما المشكلة في عدم وجود سلطة رقابية على تعاملات العملات الرقمية في الكويت، شأنها شأن أي اداة استثمار أخرى لا تخلو من المخاطرة؟

في الحقيقة، فإن التحفظ على البتكوين وغيرها من العملات الرقمية لا يرتبط بدرجة المخاطرة فقط، رغم ان احد مؤسسيها ليليو كلاسين شدد في أكثر من مناسبة على أنها "ينبغي أن تستخدم بحذر في الاستثمار"، ومع ذلك فإن مخاطرها وسلبياتها اكبر على الاقتصاديات بشكل عام، إذ ان من ابرز مخاطرها انها مجهولة الهوية وبلا مصدر معتمد وغير خاضعة لقواعد السياسات النقدية التي تتبعها البنوك المركزية حول العالم، وبالتالي يمكن ان يسهل استخدامها في جرائم غسل الاموال وتمويل الارهاب، فضلاً عن احتمالات الاختراق وسرقة الاموال، كما حدث في اليابان عندما أعلنت احدى بورصاتها المتعاملة بالبتكوين عن إفلاسها نتيجة سرقة مخترقين لـ850 ألف بيتكوين قيمتها وقتذاك 450 مليون دولار.

كما أن معظم المستثمرين والمضاربين بالعملات الرقمية لا يفهمون طبيعتها وتذبذباتها، وإمكانية انشطار العملة الواحدة الى عملتين أو أكثر، الى جانب اختلاف العمولات بين منصة واخرى، بل اختلاف اسعار نفس العملة الرقمية في المنصة الواحدة، مما يجعل المتعاملين فيها عرضة لاختفاء الاموال، ما لم يفهموا طبيعتها المعقدة التي تتجاوز بكثير تعقيدات سوق العملات التقليدي.

إن التعامل مع الادوات المالية الجديدة والمستحدثة مسؤولية الجهات الرقابية التي من مهامها ضبط سلوكيات المتعاملين، والتقليل من المخاطر. ومن غير المقبول أن يترك الامر بلا تحرك رقابي، سواء بالمنع أو التحذير أو التنظيم، كي لا تنشأ فقاعة استثمارية، او تستخدم في اغراض غير قانونية، او تمثل اختراقات أمنية.