لا أتفق مع مَن يُطلق على بعض المقترحات النيابية التي تلبي مطلباً غير معقول، بأنه اقتراح شعبوي، لأن المؤسسة التشريعية مؤسسة جماهيرية، والنائب نتاج عمل شعبوي، لكن هناك نوعية من الاقتراحات النيابية يمكن أن يُطلق عليها أنها "مدمرة"، مثل الاقتراح الخاص بخفض سن التقاعد، والذي يحظى - للأسف- بدعم نيابي كبير.قضية العمالة الأجنبية كانت ومازالت مثار سجالات وانتقادات كبيرة من النواب للحكومة والقطاع الخاص، فيما كان دفاع الجهات المعنية، بأنها تحتاج إلى خبرات مهنية معيَّنة، في حين نفس هؤلاء النواب هم مَن سَيُخرِجون آلاف الموظفين الكويتيين من وظائفهم إلى التقاعد في سن مبكرة، إذا أقرّ مقترحهم... فهل يُعقل ذلك؟!
في فترة السبعينيات منحت الدولة الحق لعدد كبير من الموظفين بالتقاعد المبكر، وكان الأمر مفهوماً آنذاك، إذ كان معظم جهاز الدولة من الكويتيين من أصحاب الشهادات الثانوية وما دون ذلك، فيما كان هناك عدد كبير من الشباب الكويتيين العائدين من البعثات الخارجية وخريجي جامعة الكويت والمعاهد التطبيقية يبحثون عن وظائف، وكان من الواجب تكريم الرعيل الأول الذي عمل أغلبهم في البحر قبل الوظيفة الحكومية بتقاعد مبكر.ورغم ذلك، فإن ذلك القرار لم يقدِّم لاحقاً حلولاً كاملة للبطالة، أو التأخر في الحصول على وظيفة في البلد، لأن المطلوب سابقاً واليوم، هو إيجاد فرص عمل جديدة، وزيادة استيعاب الشباب الكويتيين في القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية الكبرى، التي ستمثل مورداً جديداً للدخل، وليس إفراغ البلد من خبراته الوطنية. ولكم أن تتصوروا بلداً جميع كوادره الوطنية يجلسون في بيوتهم في بداية سن الخمسين!فالطبيب والمحامي وفني الأشعة، بسبب المبلغ البسيط الذي سيخسرونه عند تقاعدهم، سيفضِّلون أن يتقاعدوا ويتفرغوا للعيادة أو المكتب الخاص أو المستشفى التجاري، فيما الدولة ستجلب آلاف الموظفين الأجانب لشغل هذه الوظائف الحكومية الحساسة، وسيستمر النواب الأفاضل في انتقاد اختلال التركيبة السكانية!الحقيقة، ورغم المشاكل المالية التي ستنتج عن إقرار هذا المقترح المدمِّر، فإن إخراج نساء ورجال الكويت من كوادر وطنية تصرف عليهم الدولة مبالغ طائلة في الجامعة والمعاهد في البلد والبعثات الخارجية والداخلية والدورات في سنوات العطاء الأكبر والخبرة في الخمسينيات من عمرهم، وللمرأة في سن أقل من ذلك، هو عمل تخريبي مكتمل الأركان سيدفع البلد بسببه أثماناً باهظة. لذا، نأمل أن تكون هناك وقفة حكومية – برلمانية، للتصدي لهذا المقترح المدمِّر.
أخر كلام
«سن التقاعد»... خراب جديد!
26-10-2017