حقل نفطي عملاق ونهر استراتيجي يجددان احتمال حرب قومية في العراق
بعد مرور عشرة أيام على العملية الخاطفة التي بسط فيها الجيش العراقي سلطة بغداد على مناطق شاسعة متنازع عليها بين العرب والتركمان وإقليم كردستان، وحدوث تهدئة نسبية في أهم المناطق على خطوط التماس القومي، تتجه الأنظار الآن إلى حقل نفطي كبير ونهر استراتيجي على حدود سورية وتركيا، كآخر هدفين للعراق قد يغامر باجتياحهما وتأجيل حلم «الدولة الكردية» حتى إشعار بعيد.وقالت السلطات الأمنية في الإقليم إن بغداد تحشد عدداً كبيراً من القوات المدرعة قرب حقل «خورماله» النفطي بين كركوك وأربيل، وتريد استعادته، وهو آخر حقل كبير تحت سيطرة كردستان، وستعني خسارته أن الإقليم لن يملك احتياطياً للبترول بحجم تجاري.كما أن الحشود العراقية تتجحفل قرب نهر الخابور، وهو رافد تاريخي لنهر دجلة قرب المثلث الحدودي السوري التركي العراقي، يمكن أن يمنح بغداد منفذاً تجارياً وحيداً مع تركيا خارج الحدود الإدارية القديمة للمحافظات الكردية، وهو ما يعني منع أربيل من مصدر ترانزيت تجاري عظيم يزود العراق ببضائع بمليارات الدولارات سنوياً.
وإذا كان الأكراد اتفقوا على الانسحاب من الأراضي السابقة دون قتال تقريباً، فإنهم يشاهدون مواردهم المهمة البترولية والتجارية تنتقل بشكل «فانتازي ومفاجئ» إلى ملكية بغداد دونما اتفاق، مما يرجح إمكانية نشوب قتال بين الطرفين. ولعل ذلك ما دفع حكومة الإقليم الكردي إلى إصدار بيان فجر أمس الأول، في توقيت مستغرب، يعرض على بغداد الحوار وتأجيل نتائج الاستفتاء على تقرير المصير الذي نظم نهاية الشهر الماضي وأثار أزمة غير مسبوقة مع بغداد وأنقرة وطهران.إلا أن بغداد تطالب بإلغاء الاستفتاء من أساسه، لا مجرد تجميد النتائج التي جاءت لمصلحة إعلان استقلال كردي، وهو طلب تعجيزي سيؤخر الحوار.في المقابل، يبدو أن زيارة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لأنقرة عقب جولة إقليمية ناجحة شملت الرياض والقاهرة وعمّان، وستختتم بالعاصمة الإيرانية، منحت بغداد زخماً لبسط سيطرة أكبر تحد طموحات الإقليم الكردي.ووسط انقسام حزبي كردي عميق، تراهن الطبقة السياسية في إقليم كردستان على الثقة الواضحة التي أسستها خلال أعوام مع المجتمع الدولي، الذي يدفعها من جهته إلى حوار مع بغداد، مما يجعل الأصوات الكردية المنادية بـ«خفض سقف التوقعات» هي الأعلى مقارنة بالأجنحة القومية المتشددة، الأمر الذي من شأنه تجنيب الطرفين الاقتتال على النفط والتجارة، الذي سيكون مكلفاً للجميع رغم تفوق بغداد عسكرياً.