بدأت ببرنامج سياسي «الحزم والأمل»، كيف جاءت النقلة إلى «عونك»؟
تناول «الحزم والأمل» الحرب في اليمن من المستويين الإنساني والسياسي، وكان تجاوب الجمهور جميلاً مع البرنامج، ثم خلال أقل من شهر بدأت تجربة أخرى هي «عونك» وكنت حريصاً على تقديم البرنامجين بالتوازي، خصوصاً أن ثمة خيطاً رفيعاً يربط بينهما يتمثّل في الشق الإنساني، إذ كنت في «الحزم والأمل» أجد نفسي مضطراً إلى الحديث عن هذا الجانب نتيجة للحرب وما خلّفته من دمار. ولكن بطبيعة الحال الاختلاف موجود، فتقديم البرامج السياسية يحتاج إلى جدية وصرامة وقراءة في الجوانب السياسية، أما البرامج الإنسانية فتتطلب اطلاعاً أوسع واستخدام الشعر والمحسنات اللغوية واستحضار العاطفة، ومن خلاصة تجربتي أستطيع القول إن البرامج الإنسانية لا يقدِّمها إلا من يتمتع بروح إنسانية عالية. ماذا أضاف لك «عونك» بعد ثلاث دورات متتالية؟ أضاف إليّ الكثير على المستوى المهني. يكفي أن «عونك» شرع الباب أمامي لدخول أماكن من الصعب أن يصل إليها أي إعلامي، خصوصاً تلك التي تضررت بسبب الأزمات والكوارث كالموصل ومقرات بعض التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» حيث التقيت الضحايا، وحاورت بعض المتضررين من الأفكار المتطرفة والأزمات الاقتصادية العاصفة. لذلك لا أعتبر «عونك» برنامجاً إنسانياً إنما هو خليط إنساني اقتصادي سياسي يواجه الفكر بالفكر ويواكب أبرز الحوادث الراهنة في المنطقة. زرنا على مدار ثلاث سنوات 45 دولة وعالجنا 270 حالة إنسانية عضوية ونفسية، ولا يختلف اثنان على أن هذه النوعية من البرامج لو زادت ستسهم في علاج كثير من الأزمات العربية. نحن في حاجة إلى تسويق صحيح لقضايانا، من ثم لا بد أن نتكاتف لنقدم المزيد لاحتواء الوجع العربي.
الكرامة الإنسانية
ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال تلك الرحلة؟واجهتنا صعوبات لوجستية متمثلة في الحصول على تصاريح لدخول المناطق المشتعلة. ولكن في رأيي، التحديّ الحقيقي هو نقل الواقع بأمانة ليصل صوت المحتاج أو المتضرّر كما يجب في إطار مهني لا يفقد الإنسان كرامته، لا سيما أن معظم البرامج الإنسانية يستجدي الدمعة والكرامة البشرية. لذا كنّا حذرين خلال نقل الواقع لننهي كل ألم بأمل وسعادة.ثمة من يرى أن تشابهاً بين برنامجك و«خواطر» لأحمد الشقيري. أكنّ التقدير كله لأحمد الشقيري، فهو أستاذ أوجّه له التحية ولكن يكمن الاختلاف في أن «خواطر» يتطرّق إلى جانب اجتماعي وكيفية الاستفادة من الموارد البشرية والعودة إلى سالف الزمان والمقاربة بين العالمين العربي والغربي، بينما «عونك» برنامج إنساني بحت يتحدّث عن الأشخاص، وصحيح أننا نتنقل بين الدول ولكن بين أماكن مختلفة كلياً، إذ ذهبنا إلى أفقر قرية في العالم بالنيجر، حيث الناس لم يشاهدوا ماء معلباً أو سيارة حتى. من ثم، عندما ندقّق في الأمر نجد فارقاً واضحاً بين «عونك» و«خواطر».القناعة والرضا
ماذا غيرت في داخلك تلك الرحلات الإنسانية؟رسخت في داخلي القناعة والرضا. ربما لو سألت أحد الأشخاص عن أكبر هم له في الحياة قد يجيبك بأنه يتطلّع إلى شراء سيارة أو منزل جديد في الوقت الذي كنت أرى فيه علامات الاستغراب والدهشة على وجوه ناس يشاهدون زجاجة مياه أو سيارة للمرة الأولى. ثمة أشخاص التقيناهم وعندما عدنا إليهم في اليوم التالي وجدناهم قد رحلوا عن عالمنا. من ثم، هذه التجارب تدفع الإنسان إلى مراجعة نفسه وإعادة ترتيب أولوياته في الحياة.لا شك في أنك واجهت مخاطر عدة خلال رحلتك بين المناطق المشتعلة.أبرز المخاطر، وما رسخ في ذهن المشاهدين، كان خلال الحلقة الأولى من الموسم الماضي حينما دخلت إلى نفق أمير «داعش»، بمعية فريق العمل. ورغم احتمال وجود ألغام أرضية أو مخاطر غير متوقعة، فإننا قررنا الدخول على مسؤوليتنا الشخصية، وهناك اكتشفنا بعض الأمور غير المتوقعة من ممارسات لا تمتّ إلى الإسلام بصلة كوجود المشروبات الكحولية داخل النفق. أما العراق فكله مخاطر، كذلك الصومال حيث كنا نتحرّك وسط إجراءات أمنية مشددة. شخصياً، تلقيت تهديدات من مسؤولين في جهات عدة لأن البرنامج يكشف جوانب كانت خفية تثير غضب هؤلاء، وهذا أمر منطقي. مثلاً، عندما نكشف أن ثمة مشروبات كحولية في غرفة أمير داعش فلن يروق لهم هذا الأمر وسيكون رد فعلهم عنيفاً. حتى في عواصم أوروبية واجهنا بعض المتطرفين المنتمين إلى القاعدة أو «داعش» ووصلنا بعض التهديدات. ولكن يبقى أن الإعلامي ما دام ارتضى أن يسلك هذا الدرب فيجب أن يتحمّل التبعات. عودة وتطوير
حول إمكان تجديد «عونك» خلال المرحلة المقبلة، يقول أحمد اليماحي: «يتوقّف الأمر على رغبة «أبو ظبي للإعلام»، الجهة المنتجة للبرنامج، كذلك هيئة الهلال الأحمر الإماراتي التي تسهم في تحسين أوضاع الحالات. بعد الاتفاق بين الجهتين، ربما نرى موسماً رابعاً من «عونك»، لا سيما أنه حصد المركز الرابع على مستوى البرامج التلفزيونية الأكثر مشاهدة في رمضان والأول على مستوى الإمارات. من ثم، أعتبر أنه حقّق الهدف منه، وبقاؤه أو تطويره واردان».اليماحي انتهز الفرصة ليشكر «فريق العمل، خصوصاً الجنود المجهولين خلف الكاميرات لما بذلوه من جهد خلال السنوات الماضية».