قال التقرير الأسبوعي لشركة «الشال» للاستشارات إنه لا بأس من ذكر ما كررناه مراراً، بأن تقارير وكالات التصنيف الائتماني تقارير فنية جيدة، ولا يؤثر في رأينا دور مؤسساته في صناعة الأزمة المالية العالمية عام 2008 لكنها تقارير ضارة، إن لم نحسن معرفة غرضها وحدود وأهمية محتواها للدولة المعنية بالتقرير».

ووفق «الشال»، يبدو تقرير «فيتش»، الذي صدر أخيراً موجهاً إلى جمهور المقرضين والمتعاملين مالياً وتجارياً مع الدولة، ومداه الزمني محدود بمدى التزامات الدولة المدينة، لذا هو تقرير حول الملاءة المالية على المدى المتوسط، وهو غير معني بحصافة السياسات الاقتصادية واستدامتها، ونفعه محصور في تسهيل معاملات الدولة المعنية المالية مع عملائها في الخارج، وإن حصلت الدولة على تصنيف سيادي جيد، أفادها في خفض تكاليف ذلك التعامل، وأهمها مستوى الفوائد على تمويلاتها لكل من قطاعيها العام والخاص.

Ad

وفي التفاصيل، فإن حصول الكويت على تصنيف سيادي «AA» مع نظرة مستقبلية مستقرة يحقق هذا الهدف، وتأكيد ذلك التصنيف الجيد رغم تفاقم الأحداث الجيوسياسية، يجعل نفعه أكبر.

ويتضح انفصام أهداف التقرير المالي عن أهداف الدولة الاقتصادية عندما تقوم الوكالة بتحديد سعر التعادل للموازنة العامة بنحو 50 دولاراً أميركياً للسنة المالية الحالية.

فأحد أهم مبادئ علم المالية العامة الذي ينبني عليها مبدأ استدامتها واستدامة الاقتصاد من عدمها، هو اعتمادها على مصدر تمويل مستدام، أي حصيلة نشاط اقتصادي مستقر ومستمر مثل الضرائب في الاقتصادات التقليدية، ومثل دخل الاستثمار في حالة الكويت، فعند احتساب الوكالة لسعر التعادل في الموازنة العامة، احتسبت كل إيرادات بيع النفط، وهو بيع أصل وليس إيراداً مستداماً، واحتسب كل إيرادات الاستثمارات الخارجية معه، وهو خلط مخالف لمبادئ علم المالية العامة، ومن دون اقتطاع ما يحول لاحتياطي الأجيال القادمة، أي ضريبة استهلاك أصل زائل، أو مخصص وهو أضعف الإيمان.

ومن وجهة نظر دائن للكويت، فإن هذا الخلط صحيح، فاهتمامه مركز على كل ما يمكن أن تحققه الكويت من إيراد من العملة الصعبة إلى مدى حدود التزامه معها وتحصيله مستحقاته، لأنها مجبرة على استخدام كل تلك الحصيلة لمواجهة تلك الالتزامات. ومن وجهة نظر الدولة واستدامة اقتصادها ومعه استقرارها، تصبح خلاصته مضللة وخطيرة إن فهمت تصنيفاته على أنها دليل على متانة وسلامة اقتصادها.

فحتى وقت قريب، اعتمدت الكويت مصدراً زائلاً في تمويل نفقات عامة جارية خربت تنافسية الاقتصاد وإنتاجية رأسماله البشري. والتحولات الأخيرة في سوق النفط، وضعت سقفاً هابطاً وطويل المدى على أسعار النفط، مع ضغوط مستمرة وإلى الأدنى على مستوى إنتاجه، وتوجه محموم لاستبداله بطاقة مستدامة ونظيفة، بينما ارتفعت نفقاتها العامة 5 أضعاف في 17 سنة.

وإن أسقطنا بعض الماضي على المستقبل، ومع متطلبات الضرورة لزيادة النفقات العامة، يصبح الوضع الاقتصادي والسياسي غير مستدامين ما لم نستبقه بسياسات مالية واقتصادية حصيفة. ولن نعلق على ما ورد في صلب التقرير، لأنه أشبع عرضاً، لكننا نؤكد على سلامته لمصلحة جمهوره، بينما تبقى قراءته الخاطئة من قبلنا أمر خطير جداً.