ما قــل ودل: الرعاية الصحية حق دستوري للمواطن والمقيم لا تملك الدولة سلبه أو تتسلب من التزامها به (1)
زيادة رسوم الخدمات الصحية على المقيمين ستصنع شرخا كبيرا في المجتمع الكويتي الذي لا يستطيع أن يعيش وينعم ويستمتع بالحياة إذا ضرب الحزن والبؤس والموت أطنابه على فئة كبيرة من سكان الكويت، وإذا عجز المرضى منهم عن ارتياد المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية، وكابدوا آلامهم، بسبب حاجتهم وعوزهم.
المستجير من الرمضاء بالنار صدمني كما صدم المجتمع كله تطبيق قرار وزير الصحة بزيادة رسوم الخدمات الصحية على المقيمين، اعتبارا من أول أكتوبر الجاري، وهي زيادة مضاعفة الأثقال على الغالبية العظمى منهم، الذين أصاب بعضهم الجزع والهلع، وأصاب البعض الآخر الألم والحزن، فالرعاية الصحية هي من لوازم الحياة وضرورة لاستمرارها، والحياة هبة من عند الله، وزيادة الرسوم تحمل رسالة الموت إلى الكثيرين من المقيمين بدلا من رسم البسمة على شفاه المرضى، وشفاه ذويهم، بتخفيف ألم المريض وإدخال السعادة على قلبه وقلوبهم بعد الشفاء.
وهي زيادة تصنع شرخا كبيرا في المجتمع الكويتي الذي لا يستطيع أن يعيش وينعم ويستمتع بالحياة إذا ضرب الحزن والبؤس والموت أطنابه على فئة كبيرة من سكان الكويت، وإذا عجز المرضى منهم عن ارتياد المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية، وكابدوا آلامهم، بسبب حاجتهم وعوزهم، وضربت الأوبئة والأمراض أطنابها في البلاد كلها، بسبب ذلك، لذلك فإن قرار زيادة الرسوم كالمستجير من الرمضاء بالنار.وزير المرضى ولعل ما يسترعي النظر مع الأسى والمرارة والألم صدور هذا القرار من وزير المرضى، وهو التعبير الاصطلاحي لمفهوم الإصلاح في وزارة الصحة، كما عبر عنه وزيرها الأسبق النابه والفذ الدكتور محمد الجارالله في رده على الاستجواب الذي وجهه إليه النائب حسين القلاف في أبريل سنة 2004.عندما قال إنه وزير للمرضى وإنه مسؤول عنهم دستورياً بالدرجة الأولى ومن ثم على من يرعاهم، وإنه يتلمس آهات هؤلاء وأناتهم، ويتلمس ما يشعرون به من أوجاع ومشاعر تكون مؤلمة أحياناً ليتفاعل معها، وإنه عندما يرى في جولة تفتيشية بالليل أحد الرجال الكبار أو امرأة عجوزا تشتكي يكون هذا مدعاة لكي يحاسب وأن يوصي وأن يوجه. (مضبطة جلسة مجلس الأمة 1091/أ - ص113).مدى مشروعية القراروقد استند القرار الوزاري سالف الذكر إلى ما تنص عليه المادة (11) من القانون رقم 1 لسنة 1993 في شأن التأمين الصحي على الأجانب، وفرض رسوم مقابل الخدمات الصحية، من أنه يؤذن لوزير الصحة بفرض رسوم على الأجانب نظير الخدمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة بعد شهر من تاريخ العمل بهذا القانون.وهو الأساس الذي أسست عليه الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية حكمها الصادر يوم الأربعاء الماضي برفض الدعوى المقامة من المحامي هاشم الرفاعي بإلغاء قرار زيادة الرسوم.ولكن كان للجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة رأي آخر خلافا للرأي الذي تبينه المحكمة عندما رفضت اللجنة بجلستها المعقودة بتاريخ 27/3/2016 بإجماع آراء أعضائها مشروع قانون قدمته الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 79 لسنة 1995 لتخويل مجلس الوزراء زيادة الرسوم والتكاليف المالية الواجب أداؤها مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة التي تقدمها الدولة على سند من الحماية الدستورية، المنصوص عليها في المادة 134 من الدستور لاحتمال تعسف السلطة التنفيذية في شأن فرض الضرائب والرسوم والتكاليف أو التعديل عليها.وجدير بالذكر أن القانون رقم 79 لسنة 95 في شأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، كان يتضمن حظرا على زيادة هذه الرسوم والتكاليف إلا بقانون. وقد بررت المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر هذا الحظر بتبرير ننقله عنها بالحرف الواحد فيما يلي: "إن سلطة الحكومة في فرض هذه الرسوم تستمدها من الدستور ولكن بطريق غير مباشر، بمعنى أن الحكومة تملك سلطة دستورية في فرض هذه الرسوم، ولكن من خلال القانون الذي يرخص لها في ممارسة هذه السلطة، ويضع الحدود الواجب احترامها عند ممارستها إياها، وهو ما تقرره صراحة الفقرة الأخيرة من المادة (134) من الدستور".القضاء الدستوريوالواقع أن اللجنة التشريعية والقانونية قد صادفت صحيح حكم الدستور فيما ذهبت إليه من رفض إطلاق يد السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء في زيادة الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالخدمات العامة، فهو تطبيق صحيح لما استقر عليه القضاء الدستوري فى هذا السياق، ومن أحكامه ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر "أن القانون هو الذي يجب أن يحدد نوع الخدمة التي يحصل عليها الرسم وحدوده القصوى التي لا يجوز تخطيها والتي بين القانون حدوداً لها، حتى لا تنفرد السلطة التنفيذية بهذه الأمور، على خلاف ما أوجبه الدستور من أن يكون تفويضها في فرض هذه الرسوم في حدود القانون". (القضية رقم 175 لسنة 22 قضائية دستورية بجلسة 5/6/2004).الرعاية الصحية واجب إنسانيولعل الرعاية الصحية هي أولى بالحماية الدستورية التي تنص عليها المادة (134) من الدستور من أي خدمات أخرى تؤديها الدولة، ولا يمكن مثلا أن تقارن بالخدمات الترفيهية أو خدمات الرفاهية، فالرعاية الصحية من لوازم الحياة وضروراتها، والحياة هي هبة من المولى عزو جل.وهي حق دستوري يستمده كل إنسان من الحقوق الدستورية التي كفلها الدستور للناس جميعا، والتي تكفلها وتصونها القوانين، وهي حق يقابله التزام على الدولة تفرضه المادة (15) من الدستور، فيما نصت عليه من التزام الدولة بالعناية بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة.ذلك أن مهنة الطب هي من أسمى المهن وأجلها شأنا، لا يعادلها أو يوازيها إلا ولاية القضاء، وفى ناموس أبقراط أن الطب أشرف الصنائع كلها، وهي مهنة إنسانية نبيلة. القرار يخالف القانونفقرار وزير الصحة سالف الذكر فيما قرره من رسوم باهظة لأداء الخدمات الصحية للمقيمين قد نص في مادته الثانية على وجوب تحصيلها مسبقا قبل أداء الخدمة بما ينطوي على مخالفة لأحكام القانون رقم 25 لسنة 1981، بشأن مزاولة مهنة الطب، الذي يفرض عددا من الواجبات المهنية والأخلاقية على الممارس لهذه المهنة، ومنها، أن يتوخى في أداء عمله المحافظة على صحة الإنسان، وتسخير كل معلوماته وضميره وما تقتضيه آداب المهنة لبلوغ هذا الهدف.ويحظر هذا القانون على الطبيب الامتناع عن علاج مريض، ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه، أو قامت لديه أسباب واعتبارات تبرر هذا الامتناع.كما يحظر عليه أن يتنحى عن علاج مريض إلا إذا كان ذلك لمصلحة المريض وبشرط توافر الرعاية الطبية له عند غيره.والقرار الوزاري يأمره بالامتناع عن علاج المريض إذا عجز عن سداد رسوم الخدمة الصحية المستحقة مسبقاً، والكويت دولة قانون يقوم نظامها الدستوري والقانوني على تدرج القواعد القانونية، فلا يجوز لقرار وزاري أن يخالف القانون وهو الأعلى مرتبة في هذا التدرج، وهو ما يطرح سؤالا مهما يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة، وهو: هل يلتزم الأطباء في وزارة الصحة بالواجب المهني والأخلاقي الذي يفرضه عليهم القانون رقم 25 لسنة 1981، أم يلتزمون بالقرار الوزاري سالف الذكر ويضحون بحياة المريض؟ وللحديث بقية عن المخالفات الدستورية الصارخة التي وقع هذا القرار في حومتها بدءا من الثلاثاء القادم.
قرار وزير الصحة زيادة الرسوم على المقيمين جعلهم كالمستجير من الرمضاء بالنار