وعد بلفور ومصير نظام الأبارتهايد في فلسطين
![مصطفى البرغوثي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1564897822016822100/1564897879000/1280x960.jpg)
لكن الجريمة العنصرية الكبرى وقعت بحق الشعب الفلسطيني، فوعد بلفور أسس لأسوأ نظام أبارتهايد وتمييز عنصري في تاريخ البشرية، وهو ما نعيشه اليوم في فلسطين. تستفز كلمة أبارتهايد الصهاينة المتطرفين وكذلك المعتدلين من أمثال يوسي بيلين، لأنها تكشف حقيقة عدم إمكانية تعايش الفكر الصهيوني مع العدالة الإنسانية. كلمة أبارتهايد تعني حرفيا وجود نظامين قانونيين لمجموعتين سكانيتين تعيشان في المنطقة الجغرافية نفسها، وهذا بالضبط ما أسس له وعد بلفور وما أنشأته إسرائيل في فلسطين. وما يستفز الصهاينة أننا كفلسطينيين لم نسمح لهم بهزيمتنا، ولم نسمح لهم بترحيلنا بالكامل لأننا صمدنا في وطننا، رغم كل المعاناة، ورغم تهجير معظمنا، فأصبح عددنا يعادل إن لم يزد على عدد اليهود الإسرائيليين في فلسطين التاريخية. وما يستفزهم أننا أفشلنا بصمودنا محاولات دفن وإخفاء معالم نظام الأبارتهايد الصارخة في وجوههم على مرأى ومسمع العالم بأسره. وسنبقى صامدين حتى ننال حريتنا وحقوقنا حتى نسقط نظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي، ونفشل ما رمى إليه وعد بلفور ولو بعد مئة عام أو أكثر. لكن ما يجب أن تتذكره السيدة تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، عندما تعلن فخرها بوعد بلفور وتصر هي وسفراؤها على الاحتفال به، هو أن وعد بلفور ما زال جريمة ترتكب في الحاضر وليست جريمة منسية من الماضي. فوعد بلفور الذي نفذ بالقتل والإرهاب والمجازر في أراضي 1948، ما زال ينفذ الآن بالاستيطان الاستعماري، والحواجز والجدار، والقمع والحصار، في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. وستسمع تيريزا ماي جوابنا، على مواقفها في صرخات عشرات الآلاف من البريطانيين الذين سيتظاهرون في شوارع لندن يوم الرابع من نوفمبر منددين بوعد بلفور ومطالبين حكومتهم بالاعتذار عن فعله المشين. ستسمعه على لسان جيرمي كوربن، زعيم حزب العمال الفائز بأكثر من أربعين في المئة من أصوات الناخبين البريطانيين، وستسمعه من ملايين العمال أعضاء النقابات العمالية البريطانية المناصرين لحقوق الشعب الفلسطيني. وستسمع صداه في التظاهرات التي ستجري في فلسطين وكل أنحاء العالم أمام السفارات البريطانية، ستسمعه مدويا لأنه صوت الحق والعدل الذي لا ينام، وهو صوت الحق نفسه الذي صرخت به حناجر غاندي، ونيلسون مانديلا، ومارتن لوثركينغ. ولن نكل أو نمل، حتى تقدم بريطانيا اعتذارها للشعب الفلسطيني عن ذلك الجرم التاريخي، وتعوضه عما لحق به من أذى، وتعترف بدولته الحرة المستقلة. ولعلها تعتذر لليهود أيضا عن استخدامهم وقودا للمخططات الاستعمارية، وللحركة الصهيونية التي تسيء كل يوم لآلامهم ومعاناتهم التي عاشوها على يد الفاشية والنازية. الحق لا ينام، ونظام الأبارتهايد لن يدوم، وفجر الحرية سيأتي، وسيكتب التاريخ يوما أن مؤامراة بلفور كان نهايتها الفشل بسبب الصمود الأسطوري لشعب اسمه شعب فلسطين.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية