لا يخلو قطاع اقتصادي من المستثمرين قصيري المدى أو بما يسمى بـ"المضاربين" الذين يعملون على اقتناص الفرص الاستثمارية ومن ثم بيعها والتخلص منها في أسرع وقت ممكن، محملة بنسبة جيدة من الأرباح السريعة.

وكذلك هو القطاع العقاري، فقط شهد طوال السنوات الماضية مجموعة من المستثمرين قصيري المدى بكل القطاعات المختلفة، سواء في السكنية أو الاستثمارية أو التجارية، مستفيدين من أسعار العقارات، وعدم التوازن بين العرض والطلب آنذاك.

Ad

ومع التطورات التي شهدها السوق العقاري خلال الفترات القليلة الماضية، شهد القطاع ابتعاد المضاربين عن القطاع الاستثماري والتجاري، لعدة عوامل ساعدت على إنهائه بشكل كبير من التداولات المضاربية، التي كانت تؤثر عليه سلباً في السابق.

دراسة الجدوى

ويأتي على رأس تلك العوامل، رفع تعرفتي الكهرباء والماء على هذين القطاعين، مما قلل من جاذبية المضاربين، وأصبحت فكرة الاستثمار في القطاعين الاستثماري والتجاري تأخذ وقتا كبيرا، وذلك لدراسة الجدوى من قبل المستثمرين متوسطي أو طويلي المدى.

كما لايزال عامل الركود والجمود العقاري يلقي بظلاله السلبية على القطاع العقاري، فالمضارب لا يجد من يشتري العقارات في الوقت المطلوب، مما يكبده المزيد من التكاليف، بالإضافة إلى أنه، خلال الفترة الأخيرة، شهد تقلبات كبيرة في الأسعار، وهناك حالة من الترقب لدى الجميع، وهذه من الأسباب التي أدت إلى انخفاض التداولات العقارية خلال الفترة الماضية.

وأيضاً ضمن أسباب ابتعاد المضاربين عن القطاعين الاستثماري والتجاري، استثناء "السكني" من رفع تعرفتي الكهرباء والماء، مما وجه الأنظار إليه، خصوصاً مع وجود طلب عال من المواطنين والراغبين في السكن والمستثمرين طويلي ومتوسطي المدى على هذا القطاع.

وأصبح "السكني" يدر عوائد تفوق في بعض الأحيان القطاع الاستثماري، حيث إن جميع الوافدين والمواطنين يرغبون في السكن في المناطق النموذجية، والابتعاد عن المناطق الاستثمارية التي عادت ما تكتظ بالسكان والازدحامات المرورية.

تداولات صحية

وأشار عدد من العقاريين إلى أن ابتعاد المضاربين عن "الاستثماري" و"التجاري" يصب في مصلحة هذين القطاعين، حيث تعتبر التداولات الحالية أكثر صحية، والأسعار أكثر استقراراً من ذي قبل، التي كانت تشهد ارتفاعات كبيرة خلال فترة قصيرة.

وأوضح العقاريون أن المستثمرين طويلي المدى سيعملون على تطوير العقار، والمحافظة عليه وترميمه إن كان بحاجة الى ذلك، عكس المضاربين الذي يسعون إلى بيع العقار في أسرع وقت ممكن دون إضافات تذكر.

وذكروا أن من الأسباب التي خلقت المضاربين في القطاع العقاري انخفاض رسوم الدولة على رسوم التسجيل العقاري، إذ لابد على الجهات المسؤولة من إصدار مجموعة من التشريعات الضريبية للحد من استحواذ مجموعة معينة على العقارات.

وتابع العقاريون بقولهم انه يجب فرض رسوم اضافية على عدد مرات البيع، والتدرج في حساب الرسوم يخفض عدد المضاربين بشكل كبير، حيث ان العقار يعتبر من الضروريات، ويجب ان يكون مستقراً من جميع النواحي.

القطاع السكني

واتجهت أنظار المضاربين من "الاستثماري" و"التجاري" إلى القطاع السكني، وذلك بعد استثنائه من زيادة تعرفتي الكهرباء والماء، بالإضافة إلى عدم اقتناعهم بجدية الحكومة في معالجة المشكلة الإسكانية، رغم الإنجاز العالي بالتوزيع الإسكاني خلال السنة الماضية.

وشهد القطاع السكني تداولات كبيرة خلال الفترات القليلة الماضية، مقارنة بانخفاض التداول على القطاع الاستثماري، وأيضا هو الحال بالنسبة للتجاري، حيث ارتفعت تداولات السكن الخاص في سبتمبر الماضي، لتبدأ مساراً تصاعدياً من جديد حين اقتربت قيمتها من 86 مليون دينار مقابل نحو 71 مليونا في أغسطس، الذي وصلت فيه إلى أدنى مسار تنازلي بدأ في فبراير 2017.

وشهدت السنوات الماضية دخول المضاربين بشكل كبير، خصوصا مع انعدام الفرص الاستثمارية في القطاعات الأخرى، وعدم جاذبية البورصة، حيث شهدت شقق التمليك دخول أعداد كثيرة من المضاربين باستحواذهم على عدد كبير من الشقق، لاسيما مع إقرار قانون يمنح المطلقات والأرامل قرضا يصل الى 70 ألف دينار.

وأيضاً خلال نوفمبر 2017 أقيم مزاد عقاري لبيع الأراضي السكنية في منطقة أبوفطيرة، إلا أن المضاربين استحوذوا على المزاد، وتم شراء معظم الأراضي، وبالتالي عرضت تلك الأراضي مرة أخرى في السوق بأسعار مرتفعة.

ولا يعتبر المضاربون في القطاع العقاري ظاهرة محلية، بل عالمية، وتسعى كل الدول إلى السيطرة عليهم، عن طريق اصدار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تحد من مضاربتهم في السوق العقاري.

فعلى سبيل المثال، اتخذت الصين إجراءات أكثر تشددا لمواجهة المضاربات العقارية، خصوصا في القطاع السكني، وأيضا هو الحال في فرنسا، حيث قامت بخطوات كان لها أثرها الإيجابي في المحافظة على أسعار العقارات هناك.

وأكدت تقارير عالمية عديدة أن للمضاربات العقارية تأثيرات سلبية جداً على الدولة، وعلى تخطيطها العمراني، بالإضافة إلى أنها لا تعمل على تطوير العقارات أو ترميمها، إضافة إلى أنها تساهم في ارتفاع التضخم وأسعار العقارات، وهذا له تأثير مباشر على المواطنين وعلى دخلهم.

وهذا ما اتضح للعديد من الدول بأن للمضاربة العقارية آثاراً بالغة على سياسة التعمير، بحيث لا يمكن أن تحدد أهدافها وغاياتها إلا باعتماد سياسة عقارية واضحة المعالم وذات أهداف ومبرمجة.