أصدرت الكاتبة أروى الوقيان كتاباً جديداً بعنوان "السمراء التي أحببت"، ورصدت من خلاله مجموعة مشاهدات إنسانية عبر رحلة إلى عدد من الدول الإفريقية.

لم يثن الكاتبة الوقيان انتشار الأوبئة في بعض الدول الإفريقية عن خوض مغامرتها المنتظرة لمساعدة المنكوبين في بعض الدول التي تعاني الفقر المدقع، بل شمّرت عن ساعديها لأداء مهمة إنسانية نبيلة، متبعة نداء العطاء والبذل ونكران الذات، فقفزت في سفينة التحدي مع رفاقها تشق عباب البحر المتلاطم، ولا تكترث بالمخاطر الجمة التي تكتنف هذه الرحلة.

Ad

هي لا تبحث عن سفرة سياحية تقطن فيها في أرقى الفنادق وأشهرها بل تبعت نداء الإنسانية ولبت نداء السمراء التي أنهكها الفقر والحرب والجفاف، فتقدم المساعدة إلى المعوزين الذين يفترشون العراء، ويتوسدون المرض والقهر والاضطهاد، تشاركهم هذا الشعور وتنهل من صبرهم دافعاً لبذل المزيد، فهي ترصد النسوة الكادحات من ذوات الأرواح المكسورة أو الثكالى، فهذه امرأة تغسل الأواني بالمياة الآسنة، وأخرى تسير على غير هدى في الشارع تبحث عن قوت أطفالها الذين يفغرون أفواههم جوعاً وألماً، وغيرهما الكثير ممن يحرثن في أرض جدباء بحثاً عن لقمة عيش ربما تبعثها السماء.

وفي التقديم للإصدار قالت الوقيان: "كنت دوما أحدث نفسي ماذا كان من الممكن أن أكون لم أكن أنا وكان الجواب دوما طائرا يجوب العالم، ويكتشف بقعا صعبة لم يزرها أحد من قبل، من هنا كنت أتنقل دوما في تلك الدول المنسية من رحمة الحكومات، أو من غدرت على حين غرة، أو التي مرت بتجارب فقر أو لجوء".

وعن مضمون الإصدار تقول: "قررت أن أكتب هذا الكتاب، لأني لا أعرف طريقة أفضل لأنقل لكم رحلتي سوى بالكتابة تلك الرحلة التي استغرقت 12 يوما في إفريقيا، ما بين ثلاث دول، وهي بنين، وتنزانيا، وجيبوتي، إضافة لزنجبار التي زرتها لمدة ست ساعات، سفرة مكثفة وكانت حافلة بمشاعر مختلطة، وغير ذلك كانت كما تفعل بي هذه النوعية من الأسفار تروضني، بطريقة أو بأخرى، وتهذب نفسي التواقة للتمرد".

وعن الدروس المستفادة من هذه الرحلات الإنسانية والتطوعية، تذكر: "تعلمك هذه الرحلات الكثير عن هذا الآخر الذي لم تتوقع يوما ما بأنك ستقترب من فترة، ترصد معاناته، وتقبل جبينه على صبره وقدرته على احتمال هذا الابتلاء المسمى بالفقر، والمرض والمعاناة بشكل يومي وليس عرضيا كما يحدث لنا، عدت وبقلبي ألف حكاية، لم أستطع أن أرويها، وبذاكرتي تلك الوجوه السمراء التي لم ولن أنساها".

الصدمة الأولى

وتضمن الإصدار ملحقين، الأول يركز على تقارير صحافية كتبت أثناء الرحلة، والملحق الآخر يضم مجموعة من المقالات الإنسانية التي نشرت في "الجريدة". ومن أبرز هذه المقالات الإنسانية، مقال بعنوان "حاربوا العنصرية في بيوتكم"، تطالب فيه بضرورة وأد هذا السلوك البغيض في مهده قبل فوات الأوان، إذ ترى أن العنصرية أصبحت واضحة لا يمكن الادعاء بعدم وجودها بأغان وطنية وشعارات تملأ الشوارع بأننا إخوة، مشددة على أن محاربتها لا تتم عن طريق كلمات وتصريحات وتوصيات مملة وغير مقنعة تقال في المؤتمرات، بل تحارب في البيوت حين لا يحتوي حوار الأهل على كلمات عنصرية.

وضمن هذا السياق، تسترجع الوقيان حادثة من ذاكرتها وتروي:" كانت الصدمة الأولى وأنا طفلة حين شاهدت فيلماً يتناول موضوع العنصرية الممارسة على السود، وبراءتي التي لم تستوعب كيف يُضطهد شخص بسبب لونه، أصبت بدهشة وصدمة حقيقية آنذاك، ما كنت أعلم أنني سأرى ألوانا وأشكالا من العنصرية كنت سأعتادها لكثرة انتشارها لو لم أقف وقفة صادقة مع نفسي، حتى لا أتبع قطيع العنصرية البغيضة، ولم تكن تلك بمهمة سهلة في مجتمع كالمجتمع الكويتي الذي يرضعك العنصرية منذ نعومة أظفارك". وترفض الوقيان ما طرأ على النسيج الاجتماعي من أمراض، مبينة أن مجتمعنا راهناً يقيم الشخص على أصله، ويقرر تقسيم شعب لم يتعد المليون إلا بقليل لعدة أصول، وكل شخص ينظر باحتقار لأصول الآخر رغم أننا بلد جمع بشراً من أصول متنوعة، لا أَجِد لأي فرع فيهم الحق بهذا الإصرار على أنه الأفضل".

وترى الوقيان أن "بداية حل المشكلة هي الاعتراف بوجودها، وإيجاد طرق حقيقية لمعالجتها لا شعارات وتصريحات سمجة، ومن ثم مرحلة التصالح مع الذات حين تستوعب تلك الازدواجية وتقرر أن تتخلى عنها، وقرارك بالمجاهرة بآرائك دون تلون أو خوف". وفي السياق ذاته، تكتب، الوقيان عن العنصرية في مقال آخر، ونقتطع مما كتبت: "عفن العنصرية بات يفوح في كل بيت، وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت مدى قبح الكراهية، ومدى توغلها في النفوس، فابحثوا عن الله في عبادتكم لا في أخطاء العالم، ودعوا الخلق للخالق، وامنحوا الأرض قليلا من الحب ليسود شيء من السلام الذي بتنا نتعطش لأخباره".

حملات تطوعية

أروى الوقيان كاتبة وصحافية كويتية، وهي خريجة جامعة الكويت- قسم الاعلام 2001، وقدمت الكثير من المحاضرات في الكويت وخارجها عن العمل التطوعي والصحافة الإنسانية. كما قامت بعدة رحلات تطوعية إلى الهند ولبنان والأردن وجيبوتي والنمسا والعراق وتركيا.

شاركت في عدة حملات تطوعية ومهتمة بشكل خاص باللاجئين، والفقراء، وانتسبت إلى روابط وفرق أدبية وتطوعية منها رابطة الأدباء الكويتيين، وجمعية الصحافيين الكويتية، وهي عضوة في أكثر من فريق تطوعي وإنساني، ومؤسسة فريق "انسان التطوعي" الذي يقوم بزيارة الاسر المتعففة في الكويت وتقديم المساعدة لها، إضافة إلى أنه يتيح فرصة التطوع للجميع.

ولها في مجال الكتابة إصداران، كتاب "في الهند التقيت ذاتي" 2014، ورواية "فلتكوني بخير" 2016، ومن أبرز انجازاتها اختيارها كواحدة من المبدعين في نجوم المجتمع لعام 2011، كما فازت بجائزة المرأة العربية عن فئة الاعلام عام 2016.