الصبي الذي كنت
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
لذا، هو يعرف ويدرك كل ما له في التكوين الشعري والرؤية الشعرية ولغة قصيدته منذ أن تشكلت نطفتها في رحم الشعر، وهذا مقتطف منه: "فإذا كانت مهمة الشاعر فيما مضى هي اكتشاف الانسجام في الفوضى عبر مؤالفة الأصوات، كما في الإيقاع الخليلي، فإن مهمة الشاعر الآن فيما أرى لم تعد قاصرة على تجميل العالم أو تسويغه باكتشاف النظام في الفوضى، إنما مهمته اكتشاف الفوضى في النظام، أي البدء بالعالم كما هو عليه، ودون أي تصور مسبق. من خلال هذا الوعي أصبح في إمكاني وضع الموسيقى في مواجهة الميلودي، ووضع الآخر في مواجهة الجماعة، بجملة واحدة كانت تجربتي تتحرك من مركزية الصوت، ومركزية الذات، ومركزية الجماعة الأيديولوجية إلى تعددية ترفد الصوت بالموسيقى، والأنا بالآخر، والجماعات بالثقافات المغايرة".لا أعرف كم من الشعراء بإمكانه تحليل وتفسير العملية الشعرية الإبداعية لديه كما أدركها فريد أبوسعدة؟!وهذا مقتطف آخر: "كنت أعتقد أن الشعر تشكيل جمالي للزمن عبر تقطيعه بالصوت، وتشكيل جمالي للمكان عبر الصورة، أي ما يسمى الآن بالسينوغرافيا. كنت أرى أن الوقوع على صورة شعرية تزاوج بين الألفة والدهشة والبصر والبصيرة هي مهمة شعرية بامتياز، كنت مولعا بالسينما، فقد سحرتني منذ صباي الباكر هذه اللغة التي هي الخيال دون ترجمة. سحرني الإيقاع الذي تمضي به المشاهد، السرعة والبطء، القطع والمزج، القرب والبُعد، الصوت والصمت والإيماءة، الموسيقى والكلام، هل يمكن للشعر أن يغتني ويتسع عبر هذه الجماليات؟".فريد أبوسعدة قدَّم للقارئ تنظيرا ورؤية مهمة في فهم الشعر، وحركة أدائه، والمؤثرات التي تساعد على صياغته وتكوينه، وهذا اقتباس جميل: "لا منجاة من المكان والأشياء في التشكيل الشعري، فالحركة التي نطلقها في الفضاء الشعري، مثل قطيع من الغزلان، لا تتم إلا في الزمان والمكان، هناك أيضا المتوهّم، هذا الذي يقدمه الفن، إنه يغري بإعادة الفحص، لقد كسر الفن وحشيته ووحشته، الناتجة من عدم التعامل معه إلا كشكل ظاهرتي. بشكل عام، يمكن القول إنه حضور إنساني، أستطيع القيام بهذا الفعل النزوعي لافتتاح المكان، وافتضاض روحه، والإصغاء إلى مواجيده، وتأمل ذاكرته، أما في غياب هذا الحضور المعين على الوحشة، فأشعر بالغربة والتهديد"."الصبي الذي كنت" يقدم سيرة نثرية في منتهى الجمال، وصياغة شعرية لفهم مخاض القصيدة.