«عكس التيار»!
مع كل إعلان عن اختيار عدد من النقاد السينمائيين في عضوية لجان تحكيم المهرجانات التي تجمع بين الأفلام الروائية الطويلة والأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والتحريك، ألمح شعوراً بخيبة الأمل لدى الناقد الذي يتم اختياره في عضوية لجنة تحكيم الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، وشيئاً من الغضب، وعدم الارتياح، لأن اسمه لم يُدرج في لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، وكأنه «اسْتَبْدِلُ ما هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ»، أو أن لجنة تحكيم «الأفلام الطويلة» مثار فخر، ومبعث تقدير، مقارنة بلجنة تحكيم «الأفلام القصيرة»، التي يُنظر إلى الترشيح لعضويتها بوصفه نوعاً من «جبر الخواطر» أو محاولة للترضية!على العكس تماماً من هذه المشاعر الطفولية أسجل هنا أن فرحتي كانت كبيرة، في اللحظة التي أبلغني فيها المخرج المعروف رئيس المهرجان القومي للسينما د. سمير سيف بقرار اختياري لعضوية لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والتحريك في الدورة الحادية والعشرين للمهرجان (18 – 26 أكتوبر 2017)، لسببين مهمين، أولهما أنني شاهدت، وكتبت، عن جميع الأفلام الروائية الطويلة التي أعلنت مشاركتها في دورة هذا العام، من ثم لن تمثل مفاجأة بالنسبة إلي أو تقودني إلى جديد من أي نوع، بينما ثاني الأسباب، تمثل الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والتحريك نقطة إثارة كبيرة، كونها تفتح عالماً مُغلقاً، ومجهولاً، لدى الكثيرين، وتُنبئ، بالنسبة إليّ على الأقل، بما سيكون عليه مستقبل السينما المصرية، عبر جيل الشباب الذي يصنع السينما التسجيلية والقصيرة والتحريك، ويضع أيدينا على المواهب المُبشرة، والنقاط المضيئة في تجاربهم، من أساليب وتقنيات وأفكار ورؤى، تعكس طموحات واعدة، وأحلاماً مشروعة.
خضت التجربة المثيرة، وحدث ما توقعته بالضبط، إذ نجح بعض الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والتحريك في لفت الأنظار بقوة، مثل الفيلم التسجيلي «كان وأخواتها» (30 دقيقة)، الذي قدمت مخرجته دينا عبد السلام قصيدة سينمائية عذبة بطلاتها مجموعة من السيدات المسنات يمضين اليوم معاً في منطقة المكس أو «فينيسيا الإسكندرية»، كما يطلقون عليها، ويتناولن وجبة سمك، وسط أحاديث يغلب عليها المرح ولا تخلو من تعاسة وشجن، بينما تأخذنا المخرجة مي سالم في فيلمها الروائي القصير «من يومها» (8 دقائق) إلى عالم يحاكي ما كنا نراه في أفلام شارلي شابلن، من خلال الفتاة التي تحلم بأن تكون ممثلة، وتواجه مصاعب وعراقيل تتغلب عليها بفضل إصرارها. أما المخرج الشاب أحمد عصام السيد فامتلك من الجرأة في فيلمه التسجيلي القصير «آخرتي الأولى» (15 دقيقة) ما كان سبباً في تناول موضوع شائك بدرجة كبيرة، إذ طرح على شرائح عدة، غالبيتها من الأطفال والشباب، سؤالاً يتعلق برؤاهم، وتصوراتهم، حول شكل الأرض في يومها الأخير! لم يكن الحديث مقصوراً على الشأن المصري، إنما تطرق عدد من المخرجين الشباب إلى القضايا الإقليمية والعالمية، كما فعل وحيد صبحي في فيلمه التسجيلي الطويل «إحنا المصريين الأرمن» (86 دقيقة)، الذي أعاد إلى الأذهان ما تعرض له الأرمن من مذابح، وهجرة بعضهم إلى مصر، فيما توقف المخرج أحمد فستق في فيلمه الروائي القصير «فوق» (49.26 دقيقة) عند الأزمة السورية، عبر الشاب السوري الذي تسلل إلى سطح أحد المنازل، هرباً من الحرب التي مزقته نفسياً، وعالج المخرج عمر علي الأزمة السورية من منظور آخر في فيلمه الروائي القصير «الغيبوبة» (10.15 دقيقة)، الذي تناول قصة شاب يعيش مع والده الغارق في غيبوبة طويلة، على خلفية الحرب السورية، ويعتمل الصراع داخل الشاب بين رغبته في الخروج إلى الحياة وبين التزامه الإنسانية تجاه والده.«فتحي لا يعيش هنا بعد الآن» هو الفيلم الروائي القصير (18 دقيقة) الذي أخرجه ماجد نادر، ولا تكمن أهميته، في موضوعه، بل في الأسلوب الذي طرحه، واتسم بالطزاجة، والفرادة، وأظهر قدرة كبيرة لدى مخرجه على ابتكار لغة سينمائية جديدة، وهو ما تكرر، في الفيلم الروائي القصير «البنانوه» (18 دقيقة)، إخراج ناجي إسماعيل، ببنائه السينمائي والدرامي المكتسي بنبرة حزن واضحة، والفيلم التسجيلي القصير «المنفى» (44.12 دقيقة)، إخراج مدحت ماجد، الذي قدّم جرعة إنسانية كبيرة تعاطف فيها مع أبطال مستشفى العباسية للصحة النفسية بينما راح المخرج لؤي جلال يُحذر في فيلمه التسجيلي القصير {اليوم قد يكون الأخير في العمل» (51.12 دقيقة)، من اندثار صناعة البلاط اليدوي، التي تُعد واحدة من أهم وأقدم الحرف التراثية في الوطن العربي، على أيدي رجال الأعمال المنحازين إلى صناعة «السيراميك»!