المستجير من الرمضاء بالنار
قلت في مقال أول من أمس على هذه الصفحة حول موضوع رسوم الخدمات الصحية إن الوزير بقراره زيادتها زيادة كبيرة على المقيمين حتى خلت بعض المستوصفات والمستشفيات منهم، كالمستجير من الرمضاء، وهي مزاحمة المقيمين للمواطنين في العلاج، بالنار وهي انتشار الأوبئة والأمراض، وإن التفويض المطلق للسلطة التنفيذية في فرض الرسوم بوجه عام أو زيادتها يخالف المادة 134 من الدستور.الطبيب الأول وأستميح عذرا من يطلقون على حرم رؤساء الجمهورية "السيدة الأولى" وبعض النظم الدستورية التي تطلق على رئيس مجلس الوزراء "الوزير الأول"، في أن أطلق على وزير الصحة "الطبيب الأول"، بعد أن أطلق وزير الصحة الأسبق د.محمد الجار الله على نفسه أنه وزير المرضى والمسؤول عنهم دستوريا.فهو الطبيب الأول الذي يعطي القدوة لكل الأطباء في الالتزام بأخلاقيات المهنة وآدابها وعدم الامتناع عن علاج أي مريض إذا عجز عن سداد هذه الرسوم، وهو بذلك مخاطب بأحكام القانون رقم 25 لسنة 1981، فيما يصدره من قرارات تنظيمية في دولة القانون التي يخضع فيها الحاكم قبل المحكوم للقانون، وفقا لمقولة فرنسية في هذا السياق تقول Soufre la loi que vous faites toi même مكانة الكويت الدولية إمارة الإنسانيةوأذكر في هذا السياق أن ما حظيت به الكويت من مكانة دولية رفعتها إلى ما أطلقه عليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة أنها "إمارة الإنسانية"، وهو لقب يفرض عليها التزامات ومسؤوليات لتوفير الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الضرورية لكل إنسان مقيم على أرضها، وأزعم أن هذا القرار ستكون له آثاره السلبية على المجتمع الكويتي، بالشرخ الاجتماعي الذي أحدثه في هذا المجتمع بين المواطنين والعمالة الوافدة.وأنقل ما سمعته أمس من إذاعة الـB.B.C البريطانية أن عدم وفاء قطر بالتزاماتها الدولية بالنسبة إلى حقوق العمالة فيها سوف يثار في اجتماع منظمة العمل الدولية في اجتماعها في الثامن من نوفمبر القادم، وهو ما جاء في الحوار الذي دار على الـB.B.C بين ممثل قطر وممثل السعودية في الاتحاد الدولي لكرة القدم حول هذا الموضوع، وأن انتهاك قطر لحقوق هذه العمالة قد يسحب استضافتها لكأس العالم.تجار الإقامات المستفيد الأولوفي هذا السياق أقول إن الوافدين الذين أفنوا شبابهم وكهولتهم وجهودهم وقواهم مع المواطنين، لترقى الكويت إلى هذه المكانة الدولية، ولينعم شعبها بهذه السعادة والرفاهية الذي هو أهل لها، يرون اليوم الشقاء يصب عليهم صبا والبلاء يأخذهم من كل جانب، والآلام والنوائب تسعى إليهم من كل وجه، والبؤس البائس يغمر الكثرة الكثيرة منهم، والتسابق على إيذائهم من كل جهة من الجهات الحكومية، والسباق النيابي على هذا الإيذاء في اقتراحات برغبة واقتراحات بقوانين وتصريحات تتعالى وتتسابق بذلك، إلى الحد الذي طالعتنا فيه صحيفة السياسة في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي "اطردوا الوافدين... وارتاحوا!". وهي بهذا العنوان على صفحتها الأولى تتأذى وتتأسى من هذا التسابق المحموم على زيادة أعباء المقيمين، فهي تعلم علم اليقين أن الكويت لا تستغني عن العمالة الوافدة، ولكنها مشكورة أرادت أن تنبه إلى هذا الخطر وهو هجرة الوافدين إلى أوطانهم أو إلى غير ذلك من بلاد في حاجة إليهم، وذلك بسبب الأعباء المالية المتزايدة عليهم في حصولهم على الخدمات العامة، وكانت هجرة عائلات بعضهم قد سبقتها، وكان لها أثرها في انخفاض الإيجارات وكساد السوق، فضلا عن تداعياته الاجتماعية. ولكن ما أريد أن أقف عنده وهو ليس خافيا على أحد، أنه يقف خلف حملة الكراهية للوافدين التي وراء فرض كل هذه الأعباء تجار الإقامات، فهم المستفيد الوحيد من هذه الهجرة، لأنهم سيجلبون عمالة جديدة تحل محل العمالة المهاجرة، فتزداد أرباحهم من هذه التجارة، بحصولهم على المبالغ الكبيرة التي يدفعها القادمون إلى البلاد لأول مرة، والتي زادت أضعافا مضاعفة عن المبالغ التي سددها أقرانهم المهاجرون، عند قدومهم للبلاد أول مرة، فضلا عن الدفعات الشهرية التي يدفعها هؤلاء وأولئك.مخالفة ثانية للقانونوأعود إلى عدم مشروعية قرار زيادة الرسوم سالف الذكر لمخالفته أحكام المادة (11) من القانون رقم 1 لسنة 1999 في شأن التأمين الصحي التي فوضت الوزير في فرض رسوم على الخدمات الصحية، ذلك أن هذه المادة هي جزء لا يتجزأ من نظام متكامل للتأمين الصحي أنشأه هذا القانون يتم بمقتضاه تقديم الخدمات الصحية للأجانب المقيمين في البلاد، وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويلتزم بموجبه أصحاب الأعمال بسداد أقساط التأمين الصحي أو الضمان الصحي، وينص القانون في مادته الثانية على بطلان ما يخالف ذلك. فلم يكن التفويض سالف الذكر هائما في فراغ ليطلق يد الوزير في فرض ما يراه من رسوم على الخدمات الصحية التي تؤدى لغير الكويتيين، بل كان أحد مكونات نظام التأمين الصحي، الذي وضع حدودا وحدد تخوما لهذه الرسوم بما يدرأ عن المادة (11) من قانون التأمين الصحي مخالفة أحكام المادة 134 من الدستور، وهي المخالفة التي لا تقوم إلا إذا قيل بأن هذا التفويض تفويض على بياض يطلق يد الوزير في فرض ما يراه من رسوم، دون ربط هذه الرسوم بالتأمين الصحي.ويؤكد هذا الربط ما دعا أحد النواب في جلسة المجلس المعقودة بتاريخ 2/2/2000 إلى التلويح باستجواب وزير الصحة إن لم يوقف فورا تحصيل الرسوم التي فرضها من أغسطس 1999 بقراره رقم 392 لسنة 1999 الصادر تنفيذا لأحكام المادة سالفة الذكر، لأن هذه الرسوم في رأيه لم تكن تستحق إلا بعد تطبيق نظام التأمين الصحي في أول مارس 2000، لذلك كان يتعين بقاء الرسوم على ما هي عليه إلى أن يعاد النظر في نظام التأمين الصحي ككل وتحويله إلى نظام تأمين اجتماعي باعتبار الرسوم أحد مكوناته. وإذا كان التأمين الصحي لم يحقق النتائج المرجوة منه، فذلك بسبب النظرة القاصرة إليه باعتباره تأمينا تجاريا تقوم به شركات التأمين لا تأمينا اجتماعيا يتضامن المجتمع كله في تحمل أعبائه المالية، وهو ما فعلته وزارة الصحة في قيامها بمسؤولياتها الاجتماعية في هذا التضامن في تحملها جانبا كبيرا من أعباء العلاج خلال الفترة المنصرمة، فضلا عن أن الأغلبية العظمى من العمالة الوافدة تحملت العبء المالي الذي فرضه قانون التأمين الصحي على أصحاب الأعمال، لعدم وجود آليات لتنفيذ القوانين ذات الأعباء المالية إلا على الوافدين فقط.وللحديث بقية إن شاء الله الأحد القادم.
مقالات
ما قــل ودل: الرعاية الصحية حق دستوري للمواطن والمقيم لا تملك الدولة سلبه أو تتسلب من التزامها به (2)
31-10-2017