أكراد سورية معرضون للانقسام اليوم
يُظهر سقوط الرقة بوضوح كيف تحوّلت قوات سورية الديمقراطية خلال السنوات القليلة الماضية إلى القوة المدعومة من الولايات المتحدة الأكثر فاعلية في القتال ضد "داعش" في سورية، وتسيطر مجموعتها الأم، حزب الاتحاد الديمقراطي اليساري، راهناً على مساحة واسعة من الأراضي التي تمتد على كامل الشمال السوري تقريباً، وتُدعى روجافا، وقد أعلن هذا الحزب استقلاله عام 2016، وفي ظل حكم الأسد مُنع الأكراد من تعليم لغتهم وظل مئات الآلاف بدون وطن، لذلك رأى كثيرون في روجافا خطوة نحو عكس عقود من التمييز العنيف.رغم ذلك يبدو أن حكام المنطقة المستبدين ينوون استبدال شكل من القمع بشكل آخر منه، فخلال السنوات القليلة الماضية، دمّرت الميليشيات الكردية وأخلت عشرات القرى العربية في شمال سورية، كذلك جُنّد مئات الأشخاص في صفوف قوات سورية الديمقراطية، وتشير الأمم المتحدة إلى أن أعداد الرجال الشبان العرب "قليلة على نحو جلي" في مخيمات المهجرين لأنهم يخشون التجنيد أو الاعتقال. بالإضافة إلى ذلك لا يتقبّل حزب الاتحاد الديمقراطي انشقاق الأكراد أيضاً، ففي شهر مايو داهمت شرطته (الأسايش) مكاتب أحزاب معارضة كردية في القامشلي، عاصمة المنطقة الفعلية، واعتقلت نحو 12 ناشطاً، كذلك هرب نحو نصف مليون كردي إلى الدول المجاورة بدل العيش في ظل حكم حزب الاتحاد الديمقراطي، وفق الناشطين.
علاوة على ذلك، يسعى هذا الحزب إلى صوغ العقول الفتية، فلا تزال المدارس في الرقة، التي ينتمي معظم سكانها إلى العرب، تستخدم الكتب المدرسية السورية الرسمية، إلا أن صور عائلة الأسد الحاكمة انتُزعت منها، لكن بعض المسؤولين المحليين الأكراد اقترحوا مقرراً جديداً شبيهاً بما يُطبّقه حزب الاتحاد الديمقراطي في مناطق أخرى خاضعة لسيطرته. لكن هذا المقرر الجديد مسيّس جداً ويروّج لنظرة هذا الحزب اليساري إلى العالم، فضلاً عن أنه لا يحظى بتصديق أي سلطة معيارية؛ لذلك تظاهر المدرّسون العرب في الحسكة في شمال شرق سورية في شهر أغسطس ضد هذا التبديل.ولكن باستثناء بعض التظاهرات المتقطعة، لم يواجه حزب الاتحاد الديمقراطي معارضة داخلية كبيرة، فقوى "الأسايش" فاعلة على نحو عنيف، فضلاً عن أن الحرب أنكهت الناس، ولكن على الأمد الطويل، سيضاعف حكم حزب الاتحاد الديمقراطي الظالم التهميش العربي السني ذاته الذي أدى إلى ظهور "داعش". يذكر أحد الناشطين: "لم يقرأ الأكراد تاريخهم جيداً، إذ ستمهّد أفعالهم لعودة مجموعات متطرفة أخرى".قد يؤدي هذا أيضاً إلى انقسام قوات سورية الديمقراطية، فقد فرّ آلاف الثوار العرب والتحقوا بمجموعات أخرى، بفضل الدعم الأميركي، حيث تتمتع هذه القوات بنوع من الحماية من الطائرات الحربية التابعة لروسيا والقوات الموالية للنظام، ولكن مع تحرير الرقة ستسحب الولايات المتحدة قواتها الخاصة على الأرجح. وحتى لو لم تتعرض قوات سورية الديمقراطية للمزيد من عمليات الفرار، يبقى عديدها، الذي يبلغ 50 ألف جندي، قليلاً للدفاع عن كامل مناطقها، التي يُعتبر بعضها مهماً للنظام أيضاً لأن الشرق يضم الجزء الأكبر من احتياطي النفط السوري. بدل محاربة النظام يميل بعض قادة قوات سورية الديمقراطية إلى التفاوض معه، كذلك ضمت هذه القوات ميليشيات موالية للنظام إلى صفوفها وعملت على اعتقال الناشطين الذين يعبرون بشدة عن معارضتهم الأسد.علاوة على ذلك، من الصعب التوصل إلى صفقة مع تركيا، فحزب الاتحاد الديمقراطي تابع لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض منذ عقود تمرداً ضد الحكومة التركية، كذلك وصف الرئيس التركي أردوغان حزب الاتحاد الديمقراطي بالمنظمة الإرهابية، وسبق أن أغارت طائراته الحربية على معسكرات تابعة لجناح هذا الحزب العسكري في سورية والعراق على حد سواء. في شهر أكتوبر نشر أردوغان جنوده في محافظة إدلب، زاعماً أنه يريد محاربة المجموعات المجاهدة، لكن هدفه الرئيس قد يكون الأكراد، وكما أن أكراد العراق قد يخفقون في تحقيق حلمهم بدولة مستقلة، كذلك قد يكتشف إخوانهم في سورية أن استقلالهم لن يدوم طويلاً.