منذ بزغ فجر مواقع الإنترنت ومحركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، وُلِد فجر جديد للعالم، وصار تواصل البشر فيما بينهم مختلفاً. فبعد أن كان البحث العلمي والوصل الإنساني مقيدين إلى المكان من جهة، وإلى التواصل المعروف من جهة ثانية، ألغت وسائط الإنترنت قيود المكان والزمان، وصار بإمكان أي إنسان مراسلة ومخاطبة أي إنسان أو جهة حيثما كان، ووقتما شاء، وأينما كان الآخر، وكل هذا يتم مجاناً. كما أن الوصل الإنساني اكتسب صفة أخرى غيَّرت وجه العلاقات الإنسانية، فما عاد الإنسان مقيداً إلى دائرة معارفه الصغيرة والمحدودة الضيقة، بل صار بإمكانه التواصل مع بشرٍ حول العالم، ما كان يحلم يوماً بالتواصل معهم.
عالم الإنترنت ومحركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، لوَّنوا شيئاً من سلوك شعوبنا العربية بألوان مختلفة، بدءاً بالمفكرين، مروراً بالباحثين والكُتاب والصحافيين والإعلاميين والقرَّاء وجمهور الناس العاديين. لكن ما ظهر بتميز، هو الوصل خلال شبكات التواصل الاجتماعي، التي صارت منصات لكل أنواع التحاب والتحارب الإنساني، لكنها في العموم بعيدة، إلا فيما ندر، عن التواصل العلمي خاصة للعامة. مسبب قولي، هو نشر الموقع الإلكتروني لجامعة كامبريدج رسالة الدكتوراه للعالم الإنكليزي ستيفن هوكينغ، التي أعدَّها عام 1966، حيث إنه بمجرَّد انتشار الخبر، انهال على موقع الجامعة ملايين البشر، بقصد الاطلاع على محتوى الرسالة، حتى إن موقع الجامعة ما استطاع تحمُّل هذا الضغط، ما أدى إلى تعطله. فقد حاول 500 ألف شخص تحميل البحث العلمي خلال ساعات من نشره. وهنا ما وددت الإشارة إليه، فهناك في الضفة الأخرى من العالم، بعيداً عن أوطاننا العربية، وبعيداً عن حروبنا الطاحنة، وبعيداً عن اهتماماتنا الصغيرة، التي تأخذ جل وقتنا، هناك بشر مختلفون ما زالوا يهتزون لنشر رسالة عالم فيزياء يكاد يكون واحداً من أهم العقول الموجودة حالياً على كوكبنا. هناك مَن يهتم لقراءة ما جاء في رسالة دكتوراه في الفيزياء منشورة قبل ما يزيد على نصف قرن. هذا التدافع المعرفي الإنساني، هو ما شدَّني، وهو ما استوقفني، وأخيراً هو ما أثار حزناً دفيناً في قلبي.الكثير من المخلصين في أوطاننا العربية، يطرحون السؤال: ما سبب تأخر الوطن العربي؟ ويطرحون سؤالاً آخر: كيف يمكن لنا اللحاق بالآخر؟ وأظن بتواضع أن الإجابة عن السؤالين تكمن في كلمة واحدة وهي: العلم. نعم، نحن بحاجة إلى نسف قواعد التعلم والمدرسة والمناهج العربية القائمة، والبدء بطرق تدريس مختلفة ومعارف مختلفة ومدرسين يحملون فكراً مختلفاً. ولي اطلاع بسيط على عالم المدارس الأجنبية في الكويت، سواء كانت إنكليزية أو أميركية، وكم هو مهول الفرق بينها وبين المدارس الحكومية في الكويت. وأرى أن الفرق ينبعث أساساً من الهدف الأولي الذي تريد المدرسة غرسه في الطالب. فالمدرسة في الغرب، سواء كان شرقاً أو غرباً، تريد أن تغرس في الطالب طريقة تفكير حديثة تمكنه من مواجهة العالم المتطور الراهن، فيما رسالة المدرسة العربية ما زالت حتى اللحظة تعمل على التلقين، وتريد أن تخرِّج الطالب حافظاً لمجموعة من القيم والأقوال المأثورة، وهو بهذه الحالة سيكون حافظاً بامتياز، لكنه سيكون عاجزاً بامتياز عن مواجهة العالم. وأنا هنا أدرك أن أولادنا يذهبون إلى جامعات الغرب، ويتخرجون فيها، لكنهم يتخرجون بفكر مختلف. صحيح أنهم يحملون شهادات عليا، لكن عدداً منهم لا يحمل فكراً عصرياً راهنا، وهنا تكمن المشكلة! فنحن نعيش في مجتمعات تعاني تخمة من المتعلمين، لكنهم متعلمون للقراءة والكتابة، وليس لفكر إنساني عصر متطور يواجه الحياة، وهذا ما يجعل الهوة ساحقة بيننا وبين الآخر.وحده العلم منقذ لهذه الأمة، ولا شيء غيره.
توابل - ثقافات
الشرق شرق والغرب غرب العلم حلاً!
01-11-2017