فوق الرصيف وفوق القانون
لا يكفي أن يكون هناك قانون وتريد السلطة تفعيله، بمعنى أن تبث الحياة فيه وتجعله مطبقاً نافذاً على الجميع بمساواة مطلقة، لابد أن يكون للسلطة تصور عن كيفية التفعيل واحتمالات نتائجه فيما لو كانت تحقق المصلحة العامة وحكم العدل أم أنها ستسبب الظلم وتهدر الغاية من التشريع ذاته، أيضاً وأهم مما سبق واجب السلطة أن تدرك قدرتها وحدودها في إعمال القانون أو عجزها في تنفيذه، فأي قانون ليحقق الاستقرار المراد لابد أن يكون يتصف بنوع من الديمومة والثبات، وأن يفعل في بيئة صالحة توفر العدالة.في شهر نوفمبر من العام الماضي قررت إدارة المرور تفعيل المادة 42 من قانون المرور بسحب لوحات السيارات التي تعرقل انسياب الحركة، وبالفعل تم سحب بعض لوحات السيارات التي تقف بطريقة مزدوجة في الشارع العام، فمثلاً في العام الماضي لم أعد أعاني كثيراً في التوقف طويلاً في طريقي للعمل بانتظار الفرج خلف مبنى مجمع المثنى، حين تتكدس السيارات الواقفة على الجانبين بشكل مزدوج في مكان ممنوع الوقوف وتغلق الشارع تماماً، لكن "يا فرحة ما تمت" فلم يمض غير القليل من الزمن حتى تم تناسي أو إهمال القانون، وعادت حليمة لعادتها القديمة، وتركت غابة فوضى الوقوف تعود كما كانت.
الآن، من جديد، وأيضاً في نوفمبر هذا العام، لا أدري ما السر في هذا الشهر الذي تدب فيه روح النشاط القانوني لإدارة المرور، تعود الإدارة لتفعيل المادة السابقة (المادة 42) من قانون المرور بسحب السيارات الواقفة فوق الرصيف العام، أو غير ذلك من مخالفات... لا يجوز أن ننكر واجب هذه الإدارة أو أي إدارة غيرها في الدولة لإعمال القانون، فهي خلقت أساساً لهذا الغرض، لكن ما الذي حدث؟ من ناحية، تم خلق أوضاع ظالمة للكثيرين، فقد اشتكى، على سبيل المثال، طلبة جامعة الخالدية بعدم وجود مواقف للسيارات كافية لهم، وهناك من ناحية أخرى، الكثير من العمارات التجارية والسكنية التي أقيمت دون أن يوفر ملاكها مواقف سيارات للساكنين، رغم أنف القانون الذي يلزمهم بتوفيرها! لا تبحث عن السبب، هناك جشع ملاك العقارات الذين يضعون في مخطط البناء مواقف سيارات، ثم يتم تغييرها لشقق ومحلات بعد ترخيص الكهرباء، وهناك طبعاً الثقل الكبير لجهاز "الفساد ما تشيله البعارين" في البلدية، رغم أن حمل "فيروس" البلدية قد انتشر وباء مدمراً لمعظم مؤسسات الدولة.أسئلة يمكن أن نفكر فيها، مثل: كم بقي من الوقت لنطوي صفحة تطبيقات شهر نوفمبر المروري؟ وماذا ستفعل إدارة المرور مع "فساد" مؤسسات الدولة؟ ولماذا يتم تحميل الناس عبئها؟ وإلى متى تبقى المؤسسات الرسمية في مكانك راوح، تقدم خطوة، ثم تتراجع خطوات، وتبقى نصوص القانون مجرد عشوائيات مزاجية لأصحاب القرار؟!