بعد أيام من إجراء إقليم كردستان العراق استفتاء الاستقلال المثير للجدل، أرسلت بغداد جيشها ووحدات ميليشياوية لمهاجمة مواقع الأكراد في المناطق المتنازع عليها في كركوك وحولها، وهذا العمل العدائي السريع يبرهن مدى إصرار رئيس وزراء العراق حيدر العبادي على بقاء أكراد العراق جزءاً من بلده، مهما كلّف الثمن، وها نحن نشهد اليوم التداعيات الأولى: استقال مسعود برزاني، الذي شغل منصب رئيس إقليم كردستان منذ زمن وسعى وراء الاستفتاء، في التاسع والعشرين من أكتوبر، مما أشعل أعمال الشغب في العاصمة الكردية أربيل وغيرها من المدن الكردية وأجج مرة أخرى الاتهامات المتبادلة بين الأكراد أنفسهم وبين الأكراد والعرب.لطالما أملت الولايات المتحدة أن يتشاطر العرب والأكراد السلطة في حكومة مركزية، لكن التطورات أخذت مساراً مختلفاً. صحيح أن رئيس العراق الفخري كردي، إلا أن السلطة الحقيقية تبقى بين أيدي المسلمين الشيعة بقيادة رئيس الوزراء، وقد خبت كل الآمال بتشاطر السلطة في شهر سبتمبر عام 2016، عندما أطاح البرلمان العراقي ذو الغالبية الشيعية بوزير المال الذي يُعتبر أهم شخصية كردية عراقية في الحكومة. واليوم، بعد مرور سنة، من المستحيل تخيّل أن عملية تشاطر السلطة في دولة العراق الموحدة قد تتيح للأكراد أو العرب السنّة التحكم في مفاتيح أساسية في الدولة. على سبيل المثال، لن ترضى ميليشيات الحشد الشعبي القوية جداً في بغداد بتلقي الأوامر منهم.
إذاً، لا عجب في ألا يعتبر الأكراد الشبان بغداد محور ولائهم، حتى إن شباناً أكراداً كثراً لا يدرسون العربية، مركّزين بدلاً من ذلك على اللغتين الكردية والإنكليزية، ويبرهن الاستفتاء، الذي حصل على تأييد 93% من الناخبين، أن أكراد العراق لا يرغبون في البقاء جزءاً من العراق إلى ما لا نهاية.في المقابل، تأبى الولايات المتحدة التخلي عن خطتها بشأن دولة عراقية ديمقراطية موحدة يتحد شعبها في مواجهة تنظيم داعش المتقهقر، رغم أن بغداد وأربيل تتطلعان منذ زمن إلى مرحلة ما بعد "داعش"، ويبدو أن خطة واشنطن تضيف أيضاً غريماً جديداً.شدد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال زيارته للعراق في 24 أكتوبر على ضرورة حلّ الميليشيات المدعومة من إيران، فأثار تصريحه هذا الذي شكّل استنهاضاً غير متقن للقومية العراقية، غضب العبادي، فردّ هذا الأخير أن مقاتلي الميليشيات مواطنون عراقيون، وأن على الولايات المتحدة ألا تتدخل. وبعد يومين حض تيلرسون العراقيين مرة أخرى على مقاومة الضغط الإيراني لأن "العراقيين عرب"، ولا شك أن هذه الملاحظة أزعجت الأكراد والأقليات الإثنية الأخرى في العراق، فخلال المفاوضات الدستورية المضنية عام 2005، رفض الأكراد توقيع نص يصف العراق دولة عربية؛ لذلك لم يشمل الدستور العراقي عبارة مماثلة.خلال كل هذه المراحل، يبدو أن واشنطن لم تفهم ما يحدث، إذ ينشغل العراقيون بصراعاتهم المحلية لا بتدخل إيران أو أي دولة أجنبية أخرى، على العكس يرحّب عدد من العراقيين بالمساعدة الخارجية في صراعهم ضد المنافسين المحليين؛ لذلك يحض البعض في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية الولايات المتحدة على التوسط في الخلاف بين بغداد وأربيل، ولكن كي تنجح في خطوة مماثلة، عليها أن تتفادى مصادر الإلهاء وتتصرف بحساسية أكبر ووعي أعمق تجاه التطورات في العراق.* روبرت فورد* «ذي أتلانتيك»
مقالات
لم تفهم الولايات المتحدة العراق مطلقاً
02-11-2017