«قميص محمد خان»!
عندما تقرأ الإهداء الذي كتبه مدير التصوير سعيد شيمي في مقدمة كتابه «قميص محمد خان.. الحرير»، وقال فيه: «إلى كل مخلص لفن السينما ومجتمعه، ويريد أن يحتذي بالفنان المخرج محمد خان»، لا بد من أن تستشعر أن شيمي أهدى الكتاب لنفسه، فهو النموذج للمبدع المخلص للسينما والمجتمع، وهو الذي يبدو، في كل وقت، وكأنه احتذى القدوة ممثلة في صديقه، ورفيق طفولته وصباه، محمد خان.يمكن القول إننا حيال «كتيب» وليس كتاباً بالشكل المتعارف عليه، إذ إنه من القطع الصغير، ويقع في 104 صفحات فقط. لكن أهميته الكبرى تكمن في مجموعة الصور والوثائق النادرة التي تضمنها، على رأسها خطابات «خان»، الذي كان يقيم آنذاك في لندن، والتفريغ الكامل للشريط الصوتي المُرسل منه في ديسمبر 1972. بالإضافة إلى الإهداء الذي تصدر «الكتيب»، كتب سعيد شيمي عن «كلام.. ولا يبقى غير الكلام»، «من عام 1969»، «تفريغ الشريط الصوتي» و{الختام»، ووراء كل عنوان تبدو العلاقة وثيقة، ووطيدة، بين شيمي وخان، وتتجلى قيماً، كالحب والإخلاص والوفاء، في أزهى صورها، ومعانيها، خصوصاً أن العلاقة بينهما تبدو «تاريخية» بحق، وهو ما أتاح الفرصة كاملة لمؤلف «الكتيب» في التعرف إلى أدق تفاصيل حياة صديقه، والتطرق إلى أسرار تبدو خافية على كثيرين، وربما لا يعلمها سوى سعيد شيمي، الذي يؤكد هذا بجملته العذبة: «لم يكن محمد خان أخي أنا فقط بل هو أخ كذلك لأختاي»، ويُرجع هذا إلى أن «الأربعة ترعرعوا معاً، وكنا ننظر إليه كأخ رابع في الأسرة، فهو صبي وحيد لوالديه: عمي حسن خان صديق والدي ووالدته طنط حسنية صديقة أمي»!
«قميص محمد خان.. الحرير» عنوان طريف لن يفهمه سوى من يطالع ما كتبه شيمي، واستمتع بذكرياته، التي تكاد تمثل وحدة موضوعية محورها «لندن»، التي ذهب إليها محمد خان للدراسة، وهو في السابعة عشرة من عمره، بعد كساد تجارة والده، وهو يحمل جواز السفر الباكستاني، الذي أصبح إنكليزياً في ما بعد. وفي عاصمة الضباب تنقل بين أعمال عدة، وانتابه شعور بأنه «يعيش في مجتمع لم يُخلق للعيش فيه»، من ثم أغرق نفسه في طوفان الخطابات المتبادلة مع شيمي، التي كانت السينما تخيم عليها، وجاء قرار تأميم صناعة السينما في مصر، وتأسيس شركة «فيلمنتاج» ليعجل بعودة «الطير المسافر» استجابة لصديقه، الذي أرسل إليه خبر تأسيس الشركة، التي طلبت شباباً دارساً للسينما للعمل بها. وانضم إلى الشركة، مع كل من مصطفى محرم، ورأفت الميهي، وهاشم النحاس، وأحمد راشد، وأحمد عبد الوهاب.. وغيرهم ممن أصبحوا علامات في السينما المصرية في ما بعد.في خطاباته من لندن أبدى خان لصديقه انزعاجه بسبب ابتعاده عن السينما، التي يحبها ويريد أن يصنعها، وذكر كيف أنه اضطر إلى العمل في وظائف ليلية لأنها تمنحه نقوداً أكثر، وهو يريد أن يجمع المال ليعود إلى مصر، ويعمل في السينما، وكان وصديقه يتبادلان الخطابات بمعدل خطابين أو ثلاثة أسبوعياً، تتناول أخبار السينما، وبعضها يحوي مقالات كتبها خان، ونشرها شيمي في نشرة «جمعية الفيلم»، بالإضافة إلى مجلة كانت تصدر باسم «ألوان جديدة» صاحبتها الكاتبة سنية قراعة، ومع وفاة والده فكر في العودة إلى مصر لكن صديقه أكّد له أن مصر تغيرت بعد وفاة عبد الناصر!الأمر المؤكد أن خان، كما تقول خطاباته، كان مولعاً بالسينما، وصنع الأفلام، وصاحب وجهة نظر في نوعيات عدة من الإنتاج الفيلمي، فضلاً عن عشقه للمخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني، وإعجابه بتفكيره، ونهجه السينمائي، وهو ما أكده في مقاله «عالم أنطونيوني القلق»، الذي نُشر في العدد السادس عشر من نشرة «جمعية الفيلم» عام 1969 «عام الفرحة المزدوجة»، كما وصفه «شيمي». ففي ذلك العام انتهى خان من تأليف كتاب بالإنكليزية عن تاريخ السينما المصرية نشره على نفقته الخاصة، بعدما حصل على سلفة من أحد المصارف، فيما حصل شيمي، لأول مرة في حياته، على جائزة دولية كهاو في مهرجان تونسي عن فيلم عنوانه «إنسان»، كتب فكرته وصوره وأخرجه، والطريف أن خان، الذي كان يملك حدساً رائعاً، استعان في كتابه بصورة لصديقه سعيد شيمي وكتب أسفلها «أحد رجال المستقبل السينمائي في مصر».يحكي شيمي، بود حقيقي، عن صديقه الذي أسس متجراً تحت منزله في لندن ليبيع «بنطلونات الجينز»، ووقتها لمعت في ذهنه فكرة فيلم يخرجه باسم «قميص حرير» نشر «صديق العمر» فكرته، وعاد إلى مصر في خريف 1977، وبدلاً من أن يُنجز «قميص حرير» شرع في إخراج فيلم «ضربة شمس»، الذي أنتجه وقام ببطولته نور الشريف.