واشنطن تمنع موسكو من التفرد بحل الأزمة السورية
تداخلت في الساعات الأربع والعشرين الماضية مواقف سياسية بدت غير متناسقة بالنظر إلى رقعة القضايا التي غطتها، فضلاً عن ضبابية الافتراض بتقاطعها في ظل تطورات سياسية وعسكرية شهدتها المنطقة أخيراً.المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيثر ناورت اعترفت قبل يومين بأن طلباً أميركياً قدم إلى إيران عبر وساطة فرنسية لإجراء لقاء مباشر بين الرئيسين الأميركي والإيراني على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. في حين كانت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة هوكابي وصفت قبلها بيوم واحد الإعلان الإيراني عن هذا الأمر بالأخبار الكاذبة. وكشفت وسائل إعلام أميركية بأن الإيرانيين رفضوا الاقتراح الذي قدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لأنهم اعتبروا أن الأمر ينطوي على خدعة. وأضافت أن الرئيس الفرنسي عندما سأل ترامب عن المواضيع التي يريد بحثها مع روحاني، أجابه بأنه سيعرض عليه تصوره الجديد للعلاقة التي يرغب في إقامتها مع إيران، وإفهامه بأن المرحلة الذهبية التي سادت خلال عهد سلفه باراك أوباما قد انتهت. فإما أن يلتزم بهذا التصور أو على بلاده تحمل تبعات وأوزار السياسات، التي تنفذها في المنطقة وكلفة استمرارها في توسيع برنامج صواريخها البالستية.
تضيف تلك المصادر، أن محاولة ترامب عقد مثل هذا اللقاء بدت محاولة أخيرة منه قبل إلقاء خطابه الناري، الذي افتتح فيه مرحلة جديدة من الضغوط، التي بدأت تأخذ أبعاداً أكثر جدية وخطورة على علاقات ليس فقط البلدين بل والمنطقة بأسرها. واعتبرت أوساط أميركية أن تصاعد التوترات العسكرية التي دخلت فيها إسرائيل طرفاً أساسياً في الأسابيع والأيام الأخيرة، بدأت تثير مخاوف من أن تكون ضرباتها الجوية المتواصلة على مواقع داخل سورية، «تدريبات» ميدانية قبيل وقوع حرب جديدة، قد يكون مسرحها شمال إسرائيل في كل من لبنان وسورية، في ظل استعدادات جارية على قدم وساق يقوم بها الأطراف المعنيون بهذا الصراع.وأضافت تلك الأوساط أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، هدفت إلى تنسيق مواقف البلدين بعدما بدا أن مشاريع موسكو لفرض حل في سورية، تتعرض لضغوط كبيرة من واشنطن، بعد انتهاء معركة الرقة وسيطرة القوات المدعومة منها على منابع النفط وإعلان رفضها التام لأي ربط بين حدود العراق وسورية، وتصميمها على قطع الطريق على محاولات إيران ربط خط طهران بغداد دمشق بيروت. كما رفضت واشنطن، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، التجاوب مع دعوة موسكو لعقد مؤتمر «سوتشي»، الذي اعتبرته الدول الثلاث محاولة للالتفاف على مؤتمر جنيف الأول، مما يقضي عملياً على حظوظ نجاحه مع إعلان الائتلاف الوطني السوري والجيش الحر رفضهما حضوره أيضاً.ورأت تلك الأوساط أن تجديد واشنطن الحديث عن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد في الأيام الماضية، كان رسالة واضحة بعدم استعدادها للحديث عن حل سياسي للأزمة وفق منظور موسكو وترتيباتها، التي تسعى إلى فرضها في «مؤتمر شعوب سورية» في «سوتشي». ومع عدم حسم عقدة تمثيل الأكراد وأمام توسيع تركيا من نطاق تمددها في شمال سورية، اعتبرت تلك الأوساط الأمر مؤشراً على عمق المأزق الذي وجدت موسكو نفسها فيه في ظل احتمال انفلات الصراع بين القوى الإقليمية التي باتت تقيم لنفسها وجوداً وحضوراً مباشراً قد يتحول إلى نقاط تماس ساخنة فيما بينها في مراحل لاحقة.