أحيت الفنانة المصرية غادة رجب حفل «كلثوميات... للشرق كوكب» ضمن فعاليات الموسم الثقافي لمركز الشيخ جابر الأحمد، حيث يتجدد الموعد في الخميس الأول من كل شهر مع باقة مختارة من أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم بأصوات نخبة من فنانات دار الأوبرا من جمهورية مصر العربية، بقيادة المايسترو د. عماد عاشور وفرقة عربية كلاسيكية مكونة من 20 عازفا.

من لم يحالفه الحظ بحضور إحدى حفلات كوكب الشرق الشهرية، التي كانت تقام في مسرح اسمه «جوزيه» أو «سانتي» في شارع عماد الدين بالعاصمة المصرية القاهرة، ليقصد دار الأوبرا الكويتية سيعيش إحدى ليالي خمسينيات وستينيات القرن الماضي بأدق تفاصيلها، بدءا من الالتزام بالبدء في الموعد المحدد، مرورا بالنظام في دخول مسرح الموسيقى، وصولا الى ملصقات أبرز أغنيات كوكب الشرق التي كانت تعرض على شاشة ضخمة خلف الفرقة الموسيقية، وأخيرا جمهور كبير التزم بالملابس الرسمية، وتفاعل مع كل أغنية بإشارة من اليد أو آهة تخرج من القلب أو نظرة امتنان أو ابتسامة رضا عما تقدمه نجمة الحفل.

Ad

ولعل ما يصنع الفارق في هذه الأمسيات أيضا اختيار أصوات عرفت طريقها الى قلوب الجمهور العربي من خلال أعمال أم كلثوم، ومنهم غادة رجب صاحبة الحنجرة الذهبية والأداء الهادئ الراقي. ومازالت غادة تحتفظ بالصورة التي ظهرت عليها عندما قدمها الكاتب الصحافي أحمد يونس في أغنية «القمح الليلة» في عيد القمح، ولم تكن وقتها قد تجاوزت التاسعة من عمرها، لتبدأ مشوارها وتشارك بعد ذلك في حفلات مهرجان الموسيقى العربية، لتمضي في مشوارها الفني وتحقق العديد من النجاحات.

6 أغنيات

وفي الـ 8 مساء اعتلت الفرقة الموسيقية المسرح بقيادة المايسترو د. عماد الدين عاشور، ثم ظهرت غادة لتحيي الجمهور، وتستهل مشوار الطرب، حيث قدمت في هذه الأمسية 6 أغنيات منوعة انتقتها بعناية من المكتبة الضخمة لكوكب الشرق، والتي يبلغ عدد أغنياتها 297 شدت بها المطربة الراحلة على مدار نصف قرن، وكان من اللافت تنوع اختيارات رجب، فتنقلت برشاقة بين الأغنيات القصيرة «الطقطوقة» والقصائد الطويلة والأشعار العامية والفصحى.

وبدأت غادة الحفل بواحدة من أبرز أغنيات كوكب الشرق «ح أقابله بكره»، وهي من كلمات الشاعر أحمد رامي ومن ألحان رياض السنباطي، وتصنف كـ «طقطوقة» صدرت عن شركة كايروفون في أسطوانة عام 1948، واستحضرت غادة روح كوكب الشرق في أداء الأغنية، مع الحفاظ على شخصية صوتها عند الغناء، فحققت المعادلة الصعبة عندما وقفت بثبات وثقة لتشدو بواحدة من أهم أعمال أم كلثوم، والتي أظهرت فيها إعجازا غنائيا، لاسيما في مقطع «يا طير يا شادي يا ليل يا نادي» لتؤدي غادة بتمكن وتبني جسرا من الثقة مع الحضور.

أما الاختيار الثاني لرجب كان أغنية «حب إيه» التي شدت بها أم كلثوم عام 1960، وهي نتاج لقاء من نوع خاص بين الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد ومن ألحان بليغ حمدي، وتعد واحدة من أشهر أعمال كوكب الشرق، وقدمتها غادة بتمكن، وبدا واضحا مدى الانسجام بينها وبين الفرقة الموسيقية.

عودت عيني

ويمر الوقت سريعا، وتبدأ الفرقة في عزف مقدمة أغنية «عودت عيني»، ليعلو صوت الحضور بكلمات الثناء على اختيار رجب واحدة من الأغنيات السنباطية في مرحلة احتجاب القصبجي عن التلحين وخصام أم كلثوم مع الشيخ زكريا أحمد، فجاءت «عودت عيني» لتحمل توقيع الشاعر أحمد رامي والملحن رياض السنباطي عام 1957 ومدة الأغنية 67 دقيقة، وتصنف «طقطوقة».

وتعود رجب في رابع أغنياتها من أرشيف كوكب الشرق الى حقبة الأربعينات لتنتقي أغنية «جمال الدنيا» التي نظم كلماتها الشاعر أحمد رامي ولحنها الشيخ زكريا أحمد عام 1946، وهي من الأغنيات القصيرة ومدتها 4 دقائق تقريبا من ألبوم فيلم «فاطمة» الذي لعبت فيه كوكب الشرق دور البطولة أمام الفنان أنور وجدي، وهو آخر أفلام كوكب الشرق، وكانت غادة نجمة الأمسية من الذكاء حيث طوعت صوتها لتنتقل بخفة ما بين قالب سريع الإيقاع مثل «جمال الدنيا» وآخر بالعربية الفصحى مثل «الرضا والنور»، والتي تفاعل معها الجمهور ما إن شرعت الفرقة في عزف مقدمة الأغنية التي سطر كلماتها الشاعر طاهر أبوفاشا ولحنها الموسيقار محمد الموجي وهي إحدى أغنيات فيلم «رابعة العدوية» عام 1955.

أما مسك ختام الأمسية التي تألقت فيها غادة واستحقت أن يقف لها الجمهور في نهاية الحفل طويلا ليحيها على ما قدمته، فقد كان مع أغنية «ودارت الأيام» من كلمات مأمون الشناوي ومن ألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وقدمتها كوكب الشرق للمرة الأولى في حفلة عام 1970، وهذه الأغنية هي الرابعة من تأليف مأمون الشناوي تغنيها أم كلثوم، حيث غنت له «أنساك» و»كل ليلة وكل يوم» و»بعيد عنك»، وكلها من تلحين بليغ حمدي. إلا أنها قررت هذه المرة أن تسند تلحين الأغنية إلى محمد عبدالوهاب الذي توثقت علاقته الفنية مع أم كلثوم التي بدأت بتلحين «أنت عمري» عام 1964.

من أجواء الحفل

يعتبر كتيب الحفل من النقاط المضيئة خلال الأمسية، إذ تضمن نصص بعض الأغنيات مع التحليل الموسيقي لكل منها، وقد اعتمد الكتيب على كتاب «أم كلثوم الأغاني»، الذي صدر عام 2003 من تأليف د. فكتور سحاب.