روسيا تتمدد في الفراغ الذي تركه الأميركيون
جميعنا نلاحظ كيف أن زعماء المنطقة بدأوا يتقاطرون تباعا إلى الكرملين، بعدما خاب أملهم في حليفتهم أميركا، ويمكن اعتبار ذلك في كثير من النواحي خطأ أميركا نفسها، التي تجبر سياساتها العديد من الشركاء على إعادة التوجه نحو موسكو، حتى الأمس القريب، ذهب كل هؤلاء القادة يبحثون عن حل مشاكلهم حصرا في واشنطن، ولكن النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط ضعف الآن إلى حد كبير، بينما حققت روسيا الكثير من التقدم.يبدو أن الخطة التي وضعها بوتين منذ توليه رئاسة روسيا تعتمد بشكل كبير على إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط اعتماداً على مزيج من التحالفات الشديدة النفعية مع أطراف سياسية في المنطقة لم يكن تخيل وجود أي مستوى من التحالف أو التنسيق بينها وبين روسيا ممكنا، والعنصر الثاني بناء وتعزيز قوة عسكرية قادرة على العودة للقيام بأدوار عسكرية خارج حدود الاتحاد الروسي، ففي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تركز على دورها في أفغانستان والعراق وإدارة الصراع العربي الإسرائيلي والتأثير في الأوضاع السياسية الداخلية لدول المنطقة، كانت روسيا تعيد بناء جيشها، وتعيد النظر في عقيدة الحرب القتالية، وبدا واضحا سعي بوتين إلى إعادة فرض هيبة روسيا في العالم وقدرتها على أن تؤدي دور البديل، ونجح في ذلك إلى حد ملحوظ، ساعده في ذلك الأخطاء الأميركية التي ساهمت في خلق مساحات يتمدد فيها الدب الروسي العائد ليحتل مناطق نفوذ جديدة، ولقد وصل الأمر في منطقة الشرق الأوسط إلى حد أن دول الخليج العربي الحليف الأصيل لأميركا بدأت تضع في حساباتها حتمية وضع المصالح والأهداف الروسية في الاعتبار، وهو أمر لم يكن يخطر ببال أحد منذ أعوام، بل أشهُر، أن يكون اللافت للنظر ذلك التناقض الكبير بين الوضع الحالي والحال قبل عامين عندما كان دور روسيا في المنطقة هامشياً مقارنةً بالتدخل الكبير للولايات المتحدة، فهو أمر جدير بالمراقبة والرصد.
خلال الحرب الباردة كان لموسكو الكثير من النفوذ في الشرق الأوسط، فهي تولت تسليح الدول العربية التي قاتلت ضد إسرائيل، لكن نفوذها اختفى جنبا إلى جنب مع انهيار الشيوعية، وعندما غزت الولايات المتحدة العراق من أجل الإطاحة بصدام حسين، وجدت روسيا نفسها في دور مراقب خارجي، ولا يمكنها سوى الاحتجاج، في عام 2013 بدأ الوضع يتغير عندما تراجعت الولايات المتحدة بقيادة أوباما عن مهاجمة الأسد، بعد عامين أرسل بوتين قواته وطيرانه ليقلب المعادلة في سورية رأسا على عقب.بوتين استطاع أن يوجه السياسة الروسية لتؤدي دورا يبدو متوازنا في الشرق الأوسط، وأن يظهر كأنه على مسافة واحدة من الخلافات المستعرة بين دول وأقطاب المنطقة.يمكن القول بأن روسيا بدأت تعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، عندما يمم القادة الأميركيون وجوههم نحو آسيا، وعلى الرغم من أن واشنطن لا تزال قوة لا غنى عنها في الشرق الأوسط، فإن تحالفاتها التقليدية في المنطقة ضعفت، وهذا هو السبب الذي يدفع بالزعماء الإقليميين إلى البحث عن بدائل لها اليوم.