الذبيحة التي كانت تذبح للقرية أو القافلة كان لها قيمة حقيقية، والصحن "بوكرسي" كان يفرغ تماما لتناوب الرجال عليه ثم الأطفال والنساء، وكان مَثل "كل أكل الجِمال وقم قبل الرجال" قابلاً للتطبيق رغم مخالفته للسنّة النبوية بحكم ندرة الولائم، أما الآن فوجباتنا اليومية أصبحت من جميع القارات، ليطرأ هذا المزج بين ثقافة الماضي وترف الحاضر، ولتتكون تناقضات مثل، إذا ما اندهشت لسمنة أحدهم أرغموك على قول "ما شاء الله" خوفا من حرارة عينك، معتبرين إياه متعافيا لا مشخصا بحالة مرضية تسمى السمنة المفرطة، فلماذا غدونا "ما شاء الله" ثلاجات بشرية؟ إن ذلك ليس بسبب الانتقام لكل سنين الجوع تلك، بل نحن ضحايا منتجات كيميائية تجبرنا على الإدمان، مثل غلوتامات أحادية الصوديوم الموجودة في بعض "الشيبس ومكعبات الدجاج والمعكرونات الفورية والمطاعم السريعة والمكسرات"، فهذه المادة تسبب خللاً هرمونياً يرفع هرمونات الأنوثة عند الرجال ويقلل هرمون الذكورة لديهم والعكس صحيح عند النساء.
كذلك تسبب المادة نفسها الجوع بعد تناول الوجبة بنصف ساعة، وتبلّد شعور اللسان بالتلذذ بأي غذاء غيرها، وهي مادة تم اختراعها في الصين ثم أُلزمت بها جميع مدارس الثانوية في أميركا قبل حرب فيتنام، فالآفة في أميركا كانت النحافة وعدم قدرة الرجال على تحمل الرشاشات الثقيلة، لكنهم لم يعوا أنها تقطع أوصال الدماغ لتورث جيلاً أقل ثقافة كما هو واضح في انحدار الفكر في السينما الأميركية، كما ذكر الدكتور روبورت سابلوزكي من جامعة ستانفورد. أما المركب الآخر فهو "الأسبرتام" الذي يستخدم ببعض منتجات الحمية (الدايت)، فهو مركب فعلاً يمنحنا حلاوة سكرية مع صفر من السعرات الحرارية لكنه يمنع الأيض (حرق الوزن)، ويسبب اكتئابا ويزيد احتمال ولادة أطفال التوحد، كما ذكر البروفيسور كامل الفراج من جامعة الكويت، فهل هذا كله منتشر لدينا في السنين الأخيرة؟ تلك المواد تسمى في علم التغذية الأكاديمية "المسممات العصبية الاستثارية".كما نعاني عادة تقديم الطعام بأسرع وأكبر كمية للضيوف كتعبير للكرم، فإذا كان مريضا بالسكر صُففت أمامه أنواع البقلاوة التركية، وإذا كان معه ضغط قدمت له الموالح من المكسرات، وإذا كان فيه كولسترول نصب له اللبن مع فخذ العجل! فمعاذ الله أن يشك أننا نبخل عليه أو "يسولف مع الجماعة بالديوانية فلان ما ذبح لنا ذبيحة"، لحرصنا على الثبات بأعلى إحصاءات السكر والضغط والكوليسترول في التاريخ الطبي! وثمة علةٌ أخرى لأرقام السمنة الجنونية بالخليج، ألا وهي محاربتنا للحركة. قديماً كانت ثيابنا مشطورة بالأسفل لتمكن الرجال من القفز لركوب الخيل بأي لحظة، وأما صاحب الثوب غير المشطور فهو الشيخ صاحب الهيبة، الذي لا يحتاج للحركة النشيطة، فهيمنته الاجتماعية تكفي، وأما النساء فلم يبق لهن سوى السوق ونسخط عليهن إذا مشين فيه أكثر من حاجتهن القصوى، فكانت المرأة سابقا "تزعب" تسحب الماء من البئر، وتحلب الأنعام وتعمل رياضة شبه يومية وهي خض اللبن، أما الآن فإذا طرأ عليها يوم كرم ما لتبرّ بعلها فإنها تلمس شاشة ذكية ليحضروا الطعام إلى عتبة بيتها ليستقبل الخدمُ المندوبَ وليفرشوا كامل السفرة، ولن تخض حتى علبة الكاتشب، فرأس العبوة صار ذكيا! والحياة الزوجية نفسيا وفسيولوجيا تشحمت بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. أتفاءل وأقول: سينحف الخليج العربي ككل! فلقد ظهر جيل مستنير تغذوياً، وعسى هذه الأزمة أن تنجلي، ونبارك للكويت وصف الإعلام العالمي لها "عاصمة مطاعم العالم" ونبارك وصولها إلى قمة قائمة أسمن بلد عالميا... ما شاء الله علينا.
مقالات - اضافات
لم الخليج سمين؟!
04-11-2017