في تطوّر لافت وغير متوقّع، أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي يزور حالياً المملكة العربية السعودية، استقالته من منصبه. وأتت استقالة الحريري في خضم حملة سعودية على «حزب الله»، طالت بعض شرارتها الحريري نفسه .
الحريري
وغداة استقباله مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، علي ولايتي، في بيروت، ألقى الحريري بياناً متلفزاً من الرياض، التي وصل إليها مساء أمس الأول، جاء فيه: «أيها اللبنانيون كنتم منارة العلم والمعرفة والديمقراطية، إلى أن تسلطت عليكم فئات لا تريد لكم الخير دُعمت من خارج الحدود، وزرعت بين أبناء البلد الواحد الفتن، وتطاولت على سلطة الدولة، وأنشأت دولة داخل الدولة، وانتهى بها الأمر أن سيطرت على مفاصلها وأصبح لها الكلمة العليا والقول الفصل في شؤون لبنان واللبنانيين».وأضاف: «أشير وبكل صراحة ودون مواربة إلى إيران، التي ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، يشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسورية والعراق والبحرين واليمن. يدفعها إلى ذلك حقد دفين على الأمة العربية، ورغبة جامحة في تدميرها والسيطرة عليها. وللأسف، وجدت من أبنائها من يضع يده في يدها، بل ويعلن صراحة ولاءه لها، والسعي لخطف لبنان من محيطه العربي والدولي بما يمثله من قيم ومثل. أقصد في ذلك حزب الله الذراع الإيرانية، ليس في لبنان فحسب، بل وفي البلدان العربية».وتابع: «خلال العقود الماضية، استطاع حزب الله للأسف فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه، الذي يزعم أنه سلاح مقاومة، وهو الموجه إلى صدور إخواننا السوريين واليمنيين، فضلاً عن اللبنانيين، ولست بحاجة إلى سرد هذه التدخلات، وكل يوم يظهر لنا حجمها والتي أصبحنا نعاني منها، ليس على الصعيد الداخلي اللبناني فحسب، ولكن على صعيد علاقاتنا مع أشقائنا العرب، وما خلية حزب الله في الكويت عنا ببعيد، مما أصبح معه لبنان ومعه أنتم أيها الشعب اللبناني العظيم في عين العاصفة، ومحل الإدانات الدولية والعقوبات الاقتصادية بسبب إيران وذراعها حزب الله. لقد قرأنا جميعاً ما أشار إليه رأس النظام الإيراني من أن إيران تسيطر على مصير الدول في المنطقة، وأنه لا يمكن في العراق وسورية ولبنان وشمال إفريقيا والخليج العربي القيام بأي خطوة مصيرية دون إيران، والذي رددت عليه في حينه».وأردف: «أريد أن أقول لإيران وأتباعها أنهم خاسرون في تدخلاتهم في شؤون الأمة العربية، وسوف تنهض أمتنا كما فعلت في السابق، وستقطع الأيادي التي تمتد إليها بالسوء، وكما ردت عليكم في البحرين واليمن فسترد عليكم في كل جزء من أجزاء أمتنا الغالية، وسيرتد الشر إلى أهله».وقال: «لقد عاهدتكم عندما قبلت بتحمل المسؤولية أن أسعى لوحدة اللبنانيين وإنهاء الانقسام السياسي واستعادة سيادته، وترسيخ مبدأ النأي بالنفس، ولقد لقيت في سبيل ذلك أذى كثيرا، وترفعت عن الرد تغليباً لمصلحة لبنان والشعب اللبناني، وللأسف لم يزد هذا إيران وأتباعها إلا توغلاً في شؤوننا الداخلية، والتجاوز على سلطة الدولة، وفرض الأمر الواقع».ولفت إلى أن «حالة الإحباط التي تسود بلادنا وحالة التشرذم والانقسامات وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة واستهداف الأمن الإقليمي العربي من لبنان، وتكوين عداوات ليس لنا طائل من ورائها، أمر لا يمكن إقراره أو الرضى به تحت أي ظرف، وإني واثق بأن ذلك هي رغبة الشعب اللبناني بل طوائفه ومكوناته، مشيراً إلى أننا «نعيش أجواء شبيهة بالأجواء، التي سادت قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وقد لمست ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي».وختم: «انطلاقاً مما أؤمن به من مبادئ ورثتها من المرحوم الشهيد رفيق الحريري ومن مبادئ ثورة الأرز العظيمة، ولأنني لا أرضى أن أخذل اللبنانيين أو أقبل بما يخالف تلك المبادئ، فإني أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية، مع يقيني بأن إرادة اللبنانيين أقوى، وعزيمتهم أصلب، وسيكونون قادرين برجالهم ونسائهم على التغلب على الوصاية عليهم من الداخل أو الخارج، وأعدكم بجولة وجولات مليئة بالتفاؤل والأمل بأن يكون لبنان أقوى مستقلاً حراً، لا سلطان عليه إلا لشعبه العظيم، يحكمه القانون ويحميه جيش واحد وسلاح واحد».عون
إلى ذلك، أعلنت رئاسة الجمهورية، أن «رئيس الجمهورية ميشال عون تلقى اتصالاً من الرئيس الحريري الموجود خارج لبنان وأعلمه استقالة حكومته»، لافتة إلى أن «عون ينتظر عودة الحريري إلى لبنان للاطلاع على ظروف الاستقالة ليبنى على الشيء مقتضاه». وقالت مصادر مقربة من القصر الجمهوري لـ«الجريدة»، أمس، إنّ «زيارة الرئيس عون إلى الكويت ما زالت قائمة، على الرغم من استقالة الرئيس الحريري».وتبلّغ رئيس مجلس النواب نبيه بري استقالة الرئيس الحريري لدى وصوله إلى مطار شرم الشيخ، ولم يقرر بعد قطع الزيارة من عدمها، لكن مصادره رجحت عودته فوراً بعد لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.الانتخابات
وتساءلت مصادر متابعة عبر «الجريدة» عن مصير الانتخابات النيابية المقررة في مايو المقبل في ظل حكومة مستقيلة، بحيث انقسم الرأي القانوني بين من يعتبر أن حكومة تصريف الأعمال قادرة على إجراء انتخابات وبين من يعتبر إجراؤها غير دستوري.جنبلاط: لبنان ضعيف ليتحمل الاستقالة
قال رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب، وليد جنبلاط، أمس، إن «لبنان أكثر من صغير وضعيف كي يتحمل الأعباء الاقتصادية والسياسية لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري».وأضاف جنبلاط في تغريدة عبر «تويتر»: «كنت وسأبقى من دعاة الحوار بين السعودية وإيران».وتابع: «مهما كانت الصعوبات، فإن التضحية من أجل الحد الأدنى من الوفاق والحوار يجب أن تكون الأساس، من أجل لبنان».