وزراء لا موظفون
ما زلنا نتصرف ونصرف أو "نفسفس" على رأي وزير سابق، وكأنه لا شيء تغير في الداخل والخارج، وما زال المقربون لهم نصيب الأسد في كل شيء، وما زالت المشروعات غير المدروسة أو كانت مدروسة ونفذت بواسطة من لا يخشى وزيرا أو رقيبا، وما زلنا نبتعد أكثر وأكثر عن العالم المتطور والمتجدد. وفي الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى إيجاد دخل لها فإن الحكومة أو من وراءها لا يعيرون بالاً للمستقبل، وما زال مفهوم "اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب" هو السائد، وما زال الادعاء بعمل شيء ما أكبر مما ينفذ في الواقع إما لسوء تقدير وإما لإعادة العمل مع مستفيد آخر لن يكون تنفيذه أفضل من سابقه، وعلى سبيل المثال فإن الدولة تستعد لضريبة القيمة المضافة دون أن تحل مشكلة السوق الموازي وآلاف الشركات غير المسجلة التي لن تخضع لتلك الضريبة بسبب هذا التقاعس، أي أن الفشل معروف لكن "عمك أصمخ".هذه الأمور لا يمكن أن تحدث لو كان لدينا وزراء يعرفون ما يفعلون، وقادرون على وقف التلاعب والفساد ورفض التدخل في أعمالهم، ولو كان لدينا رجال يقولون لا لطلبات الواسطة والأوامر من الأجهزة والقوى المتنفذة لما وصلنا إلى "الحال المايل" الذي نعيشه، فالوزراء لا يواجهون ولا يرفضون تدخل الآخرين في أعمالهم.
لقد سقط وزير الصحة وكان أحد الأسباب هو انفلات مصروفات العلاج بالخارج، لكن الوزير الجديد بعد شجاعة شهور قليلة لم يستطع مقاومة ضغوط النواب المحبوبين، ولا تدخّل الأجهزة العليا، فـ"عادت ريمة لعادتها القديمة"، وقس على ذلك الكثير من وزارات الدولة التي يعلن الوزير في أول أيامه تصحيح الأخطاء، ولكنهم يزجون به في الخطأ، فيقاوم فترة ثم يستسلم، فلم نعد نرى الوزير الذي يقدم استقالته رافضا التخريب في وزارته، وهذا ما نخشاه في التشكيل المرتقب، فلا بد من اختيار القوي الأمين، ولا بد من توقف سياسة تخريب الجميع، فاستمرار هذا النهج سيقضي على وطننا. قد يقول قائل: وأين نجد هذا الوزير القادر النزيه؟ وأنا أقول اخرجوا من دائرة البحث المعتادة ومن شرط إرضاء هذه المجموعة أو تلك، وانظروا إلى الكفاءات الكويتية في كل مكان وستجدون المئات، وأعطوا نفسكم فرصة للبحث والتقييم وستجدون كويتيين من الشباب المؤهلين في الشركات الخاصة والعامة وفي دوائر الحكومة نفسها.إذا استمر نهج اختيار الدواوين المعروفة والتشاور مع الجهات نفسها المعتاد استشارتها فإننا لن نخرج من المأزق الذي نعيشه وسيستمر الفساد إلى أن تنتهي الكويت. رئيس الوزراء لا بد من حسن اختياره للوزراء، ولا بد أن يكون رئيسا قادرا على العمل بدون تدخل من أحد، وقادر على رفض أي تدخل ما دام قد وضع برنامج الحكومة وأقر من السلطات المعنية، فلا بد أن يكون قادرا على اختيار وزراء بطرق دقيقة، وقادرا على تنفيذ مشروعات التنمية والتطوير بأمانة وحزم طالما أوقف التدخل في شؤون الوزارة. رئيس الوزارة يجب أن يكون قادرا على منع تدخل النواب قي أعمال السلطة التنفيذية، ووقف واسطاتهم ووضع نظام عادل للتظلم، رئيس الوزارة يجب ألا يكون لديه ما يخشاه من النواب ومتابعتهم. البلد بحاجة لمن يتصدى لمشاكل المستقبل، والناس على استعداد للمساهمة في عملية الإنقاذ وفي عملية التطوير متى ما رأت حكومة كفؤة وجادة وعادلة وأمينة قادرة على التطوير والتنمية ووقف اللعب.