يتناول كتاب «فيلم طويل عن الحياة» عبر صفحاته رحلة المُخرج خيري بشارة في السينما المصرية. أعدّه الناقد الفني أحمد شوقي، واجتهد خلاله في الغوص داخل سينما بشارة، وحاول أيضاً توثيق إبداعات فناني الثمانينيات من خلال دراسة أفلامهم، وكل ما قدموه من سينما بدت حينها مختلفة شكلاً ومضموناً من خلال تنوع اختياراتهم، والبعد عن النمطية في طرائق إخراجهم أفلامهم السينمائية، كذلك تنوع أساليبهم في الإخراج.فصول الكتاب رسمت رحلة طويلة وحافلة من التاريخ والثقافة للفنان الذي ولد في مُحافظة كفر الشيخ، وارتبط مع الطبيعة بأضوائها وألوانها الثرية. كذلك ضم وثائق كثيرة تنوّعت بين مقال وحوار وتحقيق ومراسلات خاصة وتسجيل صوتي ومرئي، بل وخواطر وأشعار وملاحظات بيد بشارة نفسه، فضلاً عن مادة أرشيفية جمعها الأخير على مدار سنوات عمره وجعلت من الكتاب تأريخاً لمرحلة سينمائية مهمة، وليس فحسب رحلة مبدع نجح في أن يحتفظ بمكانة خاصة على الخريطة.
وعمد الكاتب إلى ترتيب المادة الأرشيفية بطريقة تروي حكاية بشارة من دون تعليق، وكأننا إزاء فيلم تسجيلي طويل صُنع على الورق من خلال القص واللصق، خصوصاً أن المحتوى لا يرجع إلى شباب المخرج وطفولته فحسب، بل يمتد إلى ما قبل ميلاده نفسه، من خلال مراسلات عاطفية مُتناسقة تبادلها والده مع خالته نعيمة (خالة خيري)، حبيبة الأب الأولى والتي توقف بها قطار العمر في مرحلة الشباب وكانت سبباً في زواج الأب من أختها لتصير لاحقاً والدة خيري، وكأن القدر حكم على خيري بشارة بأن تكون حياته فيلماً درامياً قبل مجيئه إلى العالم من الأساس.
أحلام جيل
روت الوثائق أيضاً جانباً تاريخياً، تحديداً ما يتعلق برؤية جيل بشارة وأحلامه على المستويات كافة، وكيف حولته هزيمة 67 إلى جيل النكسة فتلاشت الآمال الوطنية بعدما تحطمت على صخرة الهزيمة، ذلك قبل أن يأتي نصر أكتوبر الذي أعاد الفخر. كذلك أشار الكتاب إلى أهمية دور الثمانينيات في تشكيل جيل نجح في أن يكون له تاريخ فني. وترصد الفصول حراكاً ثقافياً عبر الآراء السائدة حول الأفلام وصانعيها منذ بداية السبعينيات حتى يومنا الحالي، وفيه يمكن ملاحظة الفروق بين الناقد وشبه الناقد.حكايات ومنعطفات كثيرة بين وثائق بشارة، لكن الثابت فيها ذلك الشخص الذي عاش ليصنع السينما التي يريد تقديمها، من دون أن يربط نفسه بالماضي الذي حاول البعض أن يحبسه داخله، أو بمستقبل يجعله يفكر بالأمور المقبلة، لينجح في أن يكون له عالمه الخاص وسينماه التي قدّمها من دون تنازلات، يضاف إليها مشاركاته التمثيلية المحدودة لتحية زملائه وتلامذته.جيل الثمانينيات
يقول الناقد أحمد شوقي: «بصدور كتاب خيري بشارة أكون أكملت مشروعاً شخصياً بدأ قبل سنوات مع بداية العمل على كتاب «التابو في سينما جيل الثمانينيات» وهو التعمق بشكل أكبر في سينما أفضل وأقرب أربعة مخرجين مصريين إلى قلبي وذوقي وتكويني. شوقي سعيد بأن الظروف سمحت بخروج مشروع خيري إلى النور سريعاً بعد كتابه عن «داود عبد السيد.. محاورات للنور»، وبعده «يسري نصر الله.. محاورات»، وأخيراً «خيري بشارة.. فيلم طويل عن الحياة»، معرباً عن حزنه برحيل محمد خان وقبل أن يكتمل مشروع كتابه عنه. ويضيف أن التجربة أثبتت له أن العظماء موجودون و«يعيشون بيننا»، ورغم إيمانه بأن الفنان العظيم ليس بالضرورة إنساناً عظيماً، بل على العكس أحياناً الموهبة تسهم في تشويه الشخصية، لكنه تأكد من خلال اقترابه من هذه الأسماء أنهم فعلاً عظماء شكلاً ومضموناً، وموهوبون ولهم إنجاز رائع، ومدركون قدر موهبتهم من دون غرور أو تعالٍ، ومتصالحون مع ذاتهم ومع الحياة.