شاركنا يوم أول من أمس السبت مع عشرات الآلاف من النشطاء والمواطنين البريطانيين في تظاهرة مهيبة شقت شوارع لندن ضد وعد بلفور وما ألحقه من ظلم تاريخي بالشعب الفلسطيني، وضد ما سببه من جرائم وتطهير عرقي، وللضغط على الحكومة البريطانية كي تعتذر للشعب الفلسطيني عن هذا الوعد، وتعوضه، وتعترف بدولته الحرة المستقلة. جموع المشاركين جاؤوا من كل أنحاء بريطانيا، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، ومعهم أطفالهم، وهتفوا بصوت واحد نصرة للشعب الفلسطيني. وعلى مدار خمس ساعات احتل المتضامنون مع فلسطين ونحن معهم شوارع لندن الرئيسة مثل شارع أكسفورد، وشارع ريجنت، وساحة الطرف الأغر، ومن ثم ساحة البرلمان البريطاني وغطوها بالأعلام الفلسطينية والشعارات المناصرة لفلسطين والداعية لمقاطعة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. حاول الصهاينة اعتراض المظاهرة، لكنهم بدوا في غاية التفاهة، حيث لم يزد عددهم على الثلاثين شخصا مقابل خمسين ألف متظاهر مع فلسطين. وشاركت في تنظيم المظاهرة لجان التضامن مع فلسطين، وممثلو النقابات العمالية التي تضم ملايين الأعضاء ولجان لمقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل، وطلاب الجامعات، وكتاب وفنانون، ورجال دين مسيحيون ومسلمون، وأعضاء من البرلمان البريطاني، وقادة من حزب العمال البريطاني المعارض والذي يبدو أنه في طريقه لاستلام الحكم في بريطانيا. وسبق المظاهرة لقاء في البرلمان البريطاني استمع خلاله أعضاء البرلمان، ومنهم عدد من وزراء الظل، لروايتنا الفلسطينية في الوقت نفسه الذي كانت فيه تيريزا ماي تستقبل نتنياهو. لم يقتصر نشاط المتضامنين الداعمين لفلسطين على التظاهرة الكبرى، بل امتد على مدار أشهر لمنع الحكومة البريطانية من الاحتفال المعيب بذلك الوعد المشؤوم، وقد أثمر ذلك، إذ تقلصت برامج المحتفلين لتنتهي بلقاء عشاء هزيل وانعدم صداها بشكل كامل، حيث طغت على المشهد مقالات وخطابات وأنشطة المعارضين لذلك الوعد والداعينإلى تصحيح مسار بريطانيا من خلال الاعتراف بفلسطين وبالمسؤولية عما لحق بشعبها من الظلم. وكان من أبلغ الأمور مشاركة السيدة غوينيث حفيدة بلفور نفسه في التظاهرة التي تعارض وتدين ما قام به جدها. وليست مصادفة أن حكومة السيدة تيريزا ماي التي أصرت على التعبير عن فخرها بوعد بلفور تترنح بفعل الفضائح المتتالية لوزرائها بعد أن تلقت ضربة قاصمة في الانتخابات الأخيرة، وأصبحت تعتمد في بقائها على أصوات حزب أيرلندي متطرف، في حين يواصل حزب العمال المعارض تقدمه بقيادة جيرمي كوربن صديق الشعب الفلسطيني والذي يشن اللوبي الصهيوني الحملات ضده دون فائدة، وقد خاطب المظاهرة دون تردد. وزيرة خارجية الظل البريطانية إيميلي ثورنبري التي التقيت بها أول من أمس استمعت على مدار نحو ساعتين لتفاصيل معاناة ونضال الشعب الفلسطيني، وستزور خلال الأسبوع القادم فلسطين، وستشاهد بأعينها معالم نظام الأبارتهايد الذي شرحته لها بالخرائط والصور. وهو نظام الأبارتهايد نفسه الذي وضع وعد بلفور أساسه العنصري وغدا علامة إسرائيل الفارقة والمعيبة في القرن الحادي والعشرين. مواقف شعب بريطانيا من القضية الفلسطينية تتغير، ومواقف معظم شعوب العالم تتغير لمصلحة النضال الوطني والإنساني الفلسطيني، وما يحدث هو تكرار لتجربة جنوب إفريقيا في إسقاط نظام الأبارتهايد أخلاقيا وإنسانيا. بعد مئة عام على وعد بلفور يلاحق الفلسطينيون والمتضامنون البريطانيون معهم تلك الجريمة على الأرض التي ارتكبت فيها، ويسمعون بأصوات عشرات آلاف المتظاهرين حكومة بريطانيا احتجاجهم على سياستها، ويستعدون لجعل العام القادم عام فلسطين بامتياز، وعام فضح وتعرية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
ولم يكن لكل ذلك أن يتحقق لولا صمود وبسالة وتضحيات الشعب الفلسطيني الذي لن يسمح لأحد باستدراجه للتنازل عن حقوقه، وأولها حقه في الحرية والعدالة. نبوءة نيلسون مانديلا تتحقق بتحول فلسطين إلى قضية الإنسانية الأولى في عصرنا.*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
فلسطين تهزم بلفور في عقر داره
06-11-2017