السبيليات
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
إن شخصية "أم قاسم" المرأة الخمسينية التي تعيش تداعيات الحرب العراقية- الإيرانية إبان ثمانينيات القرن العشرين، لا تكتفي بكونها تلك الريفية المنكوبة بالتهجير من قريتها الوادعة (السبيليات)، ولا تلك المهمومة بالعودة وترميم ما خلفته أوزار الحرب من دمار وجفاف للزرع والضرع، إنما يمتد أثر الشخصية بحنوّها على الأرض والماء والكائنات الحية إلى مقام الرمز، أو مقام عشتار، إلهة الخصب، وإن بتواضع وبساطة خاليين من الادعاء والتشوّف، وبتلقائية أشبه بفطرة الحياة الأصيلة في نزوعها نحو التشافي والتوازن.أعتقد أن رواية "السبيليات" من أفضل النماذج المرشحة لمعالجتها سينمائياً. فهي تعتمد بشكل أساسي على مشاهد البيئة والمكان، على الريف المنتهَك، على البيوت المهجورة الممتلئة بغبار اليتم، على أعجاز النخل الخاوية، على الطين والمستنقعات الآسنة، على الكائنات التي تصارع بقائها. ثم هناك شخصية "أم قاسم"، التي تتركز براعتها في استبطان مأساة خراب الأرض، ومن ثم انعكاس ذلك على سلوكياتها وتحركاتها ومشاعرها السخية، ووعيها المتقدم حول ضرورة إحداث التغيير والترميم، وإن بأبسط الأساليب والمبادرات. هذا الإيقاع المتأني الحالم الذي يميز أجواء الرواية، والذي يمر سلساً، بلا جلبة، يبدو لي العنصر الأكثر ملاءمة للفن السينمائي، إذا ما أحسن فهمه والتعامل معه بكاميرا ذكية وحسٍّ متوقّد.أما بعد، فيظل القصّ لدى إسماعيل الفهد، وفي معظم نماذجه، مغمّساً بذاكرة تمتاح من أرض السواد، حيث الطفولة والصبا ربما، وحيث بعض الجذور العالقة، وبعض الحنين المزمن المتواطئ مع مقامات الكتابة وأحوالها. نجد هذه الظلال متلامحة منذ (كانت السماء زرقاء) و(الحبل) و(المستنقعات الضوئية) و(يحدث أمس)... وغيرها من أعمال، ما يضيف زخما إضافيا لتجربة إسماعيل الفهد، ويوسع من آفاقها. وحين تأتي رواية "السبيليات" لتكمل هذا العقد، تتشكل في رأس المتأمل خريطة عامة لمشروع إسماعيل الفهد الروائي، واشتغاله المتأني على رسم مفردات الواقع الإنساني والثقافي كما قرّ في وعيه وبصيرته.