«الدستورية» ترفض طعن القضاة ببطلان «مكافحة الفساد»
أكدت عدم تعرُّض أحكام القانون لاستقلال القضاء... وخضوعهم لأحكامه
أسدلت المحكمة الدستورية، أمس، الستار على الطعن المقام من 6 قضاة في محكمة الاستئناف بعدم دستورية قانون هيئة مكافحة الفساد الذي يلزم القضاة بتقديم إقرارات الذمة المالية، مما يعني سريان القانون على جميع المخاطبين بالقانون، ومن بينهم القضاة.وأكدت المحكمة التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين خالد سالم ومحمد بن ناجي وخالد الوقيان وعلي بوقماز أن تقديم القضاة إقرارات الذمة المالية إلى الهيئة التي أنشاها القانون لا يتضمن مساسا باستقلالهم، ولا يجردهم من الضمانات الأساسية التي كفلها لهم الدستور، ويظل اتخاذ أي إجراء قبلهم معقودا لجهة قضائية هي النيابة، بعد اتباع ما استلزمه القانون من إجراءات تتمثل باستئذان مجلس القضاء وموافقته، ومن ثم لا تكون النصوص المطعون عليها تتضمن مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات أو اعتداء على استقلال القضاء.وبينت أن قانون مكافحة الفساد لا يتعارض مع الحق في الخصوصية، ويستهدف تحقيق غاية وطنية تقتضيها المصلحة العامة للبلاد في مكافحة الفساد وصيانة للوظيفة العامة وحفاظا على المال العام.
ولفتت الى أن استقلال القضاء هو عدم التدخل في أعمال القضاء والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل، ولا يجوز أن يكون الاستقلال موطئاً لحمايتهم من المسؤولية عما قد يقع من عثرات تخل بشروط وقيم القضاء وقيامهم على أداء رسالته.
وقائع الطعن
وترجع وقائع الطعن الى القضية المقامة من 6 قضاة بطلب الحكم بعدم دستورية مواد قانون هيئة مكافحة الفساد، وصولا الى بطلان القانون بأكمله لمخالفته أحكام الدستور أو ليحكم ببطلان مواد إقرارات الذمة المالية المطلوب تقديمها من القضاء لمخالفة أحكامه للدستور. وأكدت «الدستورية» أن الطاعنين لم يوجهوا - حسبما هو ثابت بصحيفة طعنهم - أي مطاعن من الوجهة الدستورية على نصوص القانون برمته، وإنما انصب نعيهم بعدم الدستورية على نصوص محددة هي المواد 2 فقرة/ 3.1 و(24) و(25) و(30) و(34) من القانون رقم 2 لسنة 2016 في شأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية، وبالتالي فإن الطعن بعدم الدستورية- والحال كذلك - يغدو منحصراً نطاقه في هذه النصوص، مقتصراً عليها وحدها دون سواها.وقالت «الدستورية» في حيثيات حكمها إن حاصل النعي بأسباب الطعن على نصوص المواد سالفة البيان أنها قد خالفت مبدأ المساواة أمام القانون، وأقامت تمييزاً غير مبرر، وقصرت الخضوع لأحكام ذلك القانون من يشغلون وظائف تنفيذية بدرجة وزير دون غيرهم ممن يحملون ذات المسمى، ويعملون لدى جهات ذات أهمية، بيد أنهم لا يشغلون وظيفة تنفيذية، وفي الوقت الذي ألزمت فيه من يشغل أعلى سلطة قضائية في البلاد وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية والجهاز الفني للمحكمة والقضاة ورجال النيابة العامة، بتقديم إقرارات بذممهم المالية، كما انطوت نصوص تلك المواد على انتهاك للحق في الخصوصية واعتداء على الحرية الشخصية ومخالفة لمبدأ أصل البراءة، فألزمت الخاضعين لأحكام القانون بتقديم إقرارات بعناصر ذممهم المالية، وافترضت سوء النية فيهم لمجرد تقديم بلاغ ضد أي منهم بارتكاب جريمة فساد ناقلة إليه عبء إثبات براءته، وتركت تقدير جدية هذا البلاغ لموظفي الهيئة، وهم لا يشغلون وظيفة قضائية ولا يتمتعون بأي حصانة، وأجازت في هذه الحالة اتخاذ إجراءات قد تقيد من حريتهم الشخصية أو تمنعهم من التصرف في أموالهم، وانطوت نصوص المواد المذكورة كذلك على إهدار لمبدأ فصل السلطات، وهدم للمبادئ الدستورية المتعلقة باستقلال القضاء، إذ أخضعت أعضاء السلطة القضائية لذلك القانون، وألزمتهم بتقديم إقرارات بذمتهم المالية لهيئة تتبع السلطة التنفيذية وتخضع لإشراف وزير العدل، ومنحت موظفي تلك الهيئة سلطة جمع المعلومات والأدلة والاطلاع على السجلات والوثائق لمجرد وجود شبهة جريمة فساد او بناء على محض شكوى كيدية، مما يعصف بحصانة أعضاء السلطة القضائية ويهدر استقلالهم وينال من هيبتهم، وتكن بذلك هذه النصوص قد خالفت المواد (29) و(30) و(34) و(50) و(162) و(163) و(168) من الدستور.سلطة تقديرية
وردت المحكمة على أسباب الطعن بأن هذا النعي في جملته مردود بما هو مقدر- في قضاء هذه المحكمة - من أن الأصل في سلطة المشرع فيما يتعلق بموضوع تنظيم الحقوق انها سلطة تقديرية يفاضل المشرع من خلالها بين بدائل متعددة، مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد الى حمايتها، وليس ثمة قيد مباشرة المشرع لسلطته هذه إلا أن يكون الدستور قد فرص في شأن ممارستها ضوابط محددة أو قيوداً معينة لا ينبغي تجاوزها، كما حرص الدستور على تأكيد أن يصون القانون للقضاء استقلاله، ويبين ضمانات القضاة، والأحكام الخاصة بهم، وأحوال عدم قابليتهم للعزل، بحيث يكون هذا الاستقلال عاصما من التدخل في أعمالهم أو التأثير على مجرياتها، بيد أن ما قرره القانون من ضمانات للقضاة لا يجوز أن يكون موطئاً لحمايتهم من المسؤولية عما قد يقع من عثرات تخل بشروط توليهم القضاء وقيامهم على أداء رسالته، ولا أن يكون عاصماً من محاسبتهم عما يصدر عنهم من أعمال تؤثر في هيبة السلطة القضائية وعلو منزلتها، او تنتقص من ثقة المتقاضين في القائمين على شؤونها، وإنما يتعين أن تظل هذه الضمانات مرتبطة بمقاصدها والتي تتمثل في حماية العمل القضائي من محاولات التأثير فيه ضماناً لسلامته.فصل وتعاون
وبينت أن المقرر ايضا أنه وإن كان الدستور قد رسم لكل سلطة من سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية المجال الذي تعمل فيه محددا اختصاصها واستقلال كل سلطة بذاتها، وأقام الدستور توزيع هذه الاختصاصات على أساس فصل السلطات، إلا أنه لم يجعل ذلك فصلا تاما بل فصلا مصحوباً بالتعاون المتبادل والتآزر فيما بينها على أساس احترام كل منها لأحكام الدستور والنزول على أوامره ونواهيه، والقضاة لابد لهم من قوانين يحكمون بها، وبالتالي يخضعون لأحكام القوانين التي تضعها السلطة التشريعية، كما رؤي أن يكون للسلطة التنفيذية الحق في إصدار القرارات الإدارية في بعض شؤونهم، وفي مقابل ذلك تخضع السلطتان التنفيذية والتشريعية لرقابة القضاء، وبذلك يكون الدستور قد قرر نوعاً من التعاون والتداخل بين السلطة القضائية والسلطتين الأخريين.وبينت المحكمة أن ما تقوم به الهيئة العامة لمكافحة الفساد- التي تم إنشاؤها بموجب القانون رقم 2 لسنة 2016 المشار اليه - لا يعدو أن يكون من قبيل جميع المعلومات والاستدلالات للتحقق من جدية شبهة جريمة الفساد المثار أمامها، وهي لا تملك أن تتجاوز تلك الى اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التحفظية أو إجراءات التحقيق، ذلك أن المشرع قد نص صراحة في المادة 27 من القانون على أن النيابة العامة هي التي تختص دون غيرها بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والجرائم المرتبطة بها، ونص في المادة 28 منه على أن إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة في جرائم الفساد تطبق بشأنها القواعد المنصوص عليها في القوانين المعمول بها، وإذا كان من نسب إليه جريمة الفساد أحد الأشخاص الذين يستوجب الدستور أو القانون إجراء خاصاً للتحقيق معه او ملاحقته قضائياً يتبع في شأنه أن يأمر بالإطلاع أو الحصول علي أي بيانات او معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الخزائن لدى البنوك والمؤسسات المالية اذا اقتضى ذلك كشف الحقيقة في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.لا مساس
ولفتت المحكمة الى أن التزام أعضاء السلطة القضائية بأحكام القانون - باعتبارهم من الخاضعين لأحكامه - وتقديمهم إقرارات الذمة المالية الى الهيئة التي أنشأها المشرع لهذا الغرض، لا يتضمن أي مساس باستقلالهم، ولا يجردهم من الضمانات الأساسية التي كفلها لهم الدستور.والقانون، إذ يظل اتخاذ أي إجراء قبلهم معقوداً لجهة قضائية هي النيابة العامة بعد اتباع ما استلزمه القانون من إجراءات والتي تتمثل في استئذان المجلس الأعلى للقضاء وموافقته على اتخاذ ذلك الإجراء، ومن ثم لا تكون النصوص المطعون عليها قد تضمنت مساساً بمبدأ فصل السلطات أو اعتداء على استقلال القضاء، أما عن القول بانتهاكها الحق في الخصوصية واعتدائها على الحرية الشخصية فمردود بأن القانون إذا استهدف تحقيق غاية وطنية تقتضيها المصلحة العامة للبلاد في مكافحة الفساد صيانة للوظيفة العامة وحفاظاً على المال العام، لا يعد انتهاكا للحق في الخصوصية والحرية الشخصية، كما أن الادعاء بمخالفتها أصل البراءة على النحو الذي أشار إليه الطاعنون في طعنهم - وفي حدود - فهو ادعاء غير صحيح، ذلك أن جرائم الفساد المنصوص عليها في ذلك القانون لا تثبت بغير الأدلة التي تقدمها النيابة العامة للتدليل على قيام الجريمة في كل ركن من أركانها ونسبتها الى فاعلها، ولم تفترض نصوص تلك المواد أي قرينة تحكمية في حق المتهم ترتب نقل عبء نفيها إليه.لا مثالب دستورية
ردت المحكمة الدستورية بشأن ما أثاره الطاعنون من وجوب إخضاع من هم في درجة وزير ويعملون في جهات ذات أهمية ولا يشغلون وظيفة تنفيذية لأحكام ذلك القانون أو استبعاد أعضاء السلطة القضائية من الخضوع لأحكام القانون، بأن ذلك في حد ذاته لا يعد مثلباً دستورياً، إذ إن دور هذه المحكمة لا يتجاوز وظيفتها القضائية بمعاييرها وضوابطها الى وظيفة التشريع.وبالترتيب على ما تقدم، يضحى الادعاء بمخالفة النصوص المطعون فيها للمواد (29) و(30) و(34) و(50) و(162) و(168) من الدستور على غير أساس.
القانون يهدف إلى صيانة الوظيفة العامة وحماية المال العام
المقصود باستقلال القضاة أن يكون عاصماً من التدخل في أعمالهم... ولا يجوز أن يكون موطئاً لحمايتهم من المسؤولية
القضاة لابد لهم من قوانين يحكمون بها ويخضعون للقوانين والقرارات الإدارية ببعض شؤونهم
المقصود باستقلال القضاة أن يكون عاصماً من التدخل في أعمالهم... ولا يجوز أن يكون موطئاً لحمايتهم من المسؤولية
القضاة لابد لهم من قوانين يحكمون بها ويخضعون للقوانين والقرارات الإدارية ببعض شؤونهم