ما سبب إطلاقك «النداء الأخير»؟
تردي الأوضاع السياسية، والاقتصادية والوجودية في لبنان، الذي يدفعنا إلى التساؤل ما إذا كنّا ننتمي إلى الأرض أو العائلة أو الحزب أو الوطن، أم إلى الإنسان بحد ذاته؟ وهل بقاؤنا في الوطن يعود بفائدة إليه أم إلى الفرد، أي رؤساء الأحزاب والطوائف؟ في مراقبة بسيطة لواقع الهجرة التي حصلت نحو ما يُعرف في دول العالم الأولى كأميركا وأستراليا، نلحظ أن تلك البلدان استطاعت بفضل الخليط العرقي أن تتحوّل إلى دول عظمى، ذلك لأن المهاجرين تركوا في بلادهم ترسبات الماضي الموروثة من أجدادهم كالنزاعات العرقية والدينية والحضارية والعائلية. طرحت هواجس مؤلمة وآمالاً، فهل لمست أي تغيير منذ ندائك؟للأسف، لم يتغيّر الواقع في لبنان، والنداء الأخير الذي هو أساساً دليل أمل قد انتهى في رأيي، خصوصاً أنّ كثيرين انتظروا التسوية لمجيء رئيسٍ للجمهورية تنتظم معه الدولة، إنما ما حصل هو إبقاء التركيبة السياسية والطائفية والمحاصصة الحزبية كما هي من دون تغيير. ألا تفكّر بفيلم طويل يطرح هذه الهواجس بشكل أعمق وأوسع؟تراودني هذه الفكرة يومياً إنما أخشاها لأنني لحظتها سأهاجر البلد.هل يمكن أن يشعر شاب عربي بهذه الهواجس؟تنطبق هذه الهواجس على كل من يعيش مظلوماً في وطنه.
مستقبل وإخراج
أي تطلعات ترى لمستقبلك المهني بعد 20 عاماً من إخراج البرامج السياسية؟عندما ننشأ على اسم زعيم سياسي ما، تتكوّن لدينا فكرة أنه بمثابة مشروع إلهي على الأرض. إنما حين ندخل محيطه القريب نكتشف شخصيته وقناعاته الحقيقية المتناقضة مع ما يجاهر به إعلامياً، وهذا تحديداً ما حصل معي خلال تلك السنوات التي تعرّفت في خلالها إلى معظم السياسيين واحتككت بهم قبل التصوير وفي خلاله وبعده، ما ولّد لدي درجة إحباط عالية تجاه مستقبلي في لبنان. فقلّة فقط منهم حافظت على رصيدها لديّ، ومن بين هؤلاء الوزير الشهيد بيار الجميل الذي أثّر كثيراً فيّ، فهو كان يُحضر لي دائماً تذكاراً دينياً من كل مقام يزوره في لبنان أو في الخارج، وهذا دليل إلى شخصيته المميزة وإيمانه العميق.رغم جهود المخرج في إنجاح البرنامج، فإن الإعلامي وحده يحظى بالتقدير والثناء الجماهيري.يجب أن نكون متصالحين مع أنفسنا، لأن الناس تتذكر دائماً بطل الفيلم مثلاً بدلاً من المخرج أو المؤلف. من جهة أخرى، فقد بعض الناس بسبب حب الظهور والأنا إنسانيته وهويته ونسي من دعمه لتحقيق نجوميته، فقد علّمت نجوماً كباراً كيف يقفون للمرة الأولى أمام الكاميرا، لكنهم بالكاد يسلّمون عليّ راهناً. كذلك الإعلامي الصديق جورج غانم الذي كان يتلقى صباحاً اتصالات هاتفية من كبار المسؤولين السياسيين ليطلعوا منه إلى وضع البلد، لأن مقدّمة أخبار المؤسسة اللبنانية للإرسال، كانت تُحدث حينها ثورة، فهي كانت المحطة التلفزيونية الوحيدة قبل انطلاق سائر المحطات ومن بينها MTV التي نافستها لاحقاً. غانم كان له الفضل في وصول بعض السياسيين والإعلاميين إلى مراكز متقدّمة لكنه لم يتغيّر يوماً، فيما هؤلاء لا يتصلّون للاطمئنان إلى صحته بعدما ترك المهنة.ألا ترى أن الإطلالة والنجومية تطغيان أحياناً على قيمة الخبر ومضمونه؟ثمة من يتميّز بإطلالة جميلة يقدّم الخبر بطريقة واضحة وكافية تصل بسهولة إلى المشاهد، وثمة من يستظهر الخبر من دون نكهة فلا نفهم ماهية التقرير أو مقدّمة الخبر. ألا تهمّك الأضواء؟رفضت بعض الفرص التي عُرضت عليّ لأنني شعرت بأن التقديم موهبة ربما أو قرار يُتخذ باكراً لا في فترة مهنية متقدمّة. منذ البداية، أحببت الإخراج لأنني أستطيع من خلاله رؤية الأمور من زوايا عدّة وأوسع. كذلك اكتشفت بعد سنين الخبرة أن نسبة كبيرة ممن هم تحت الأضواء فقدت التركيز على حياتها الشخصية والقيم، وخسرت عائلتها والمقربين إليها، وأضاعت البوصلة وذهبت تفتّش عن أمور أخرى. لذا أوّجه التحية لكل من حافظ على نفسه رغم تأثير النجومية.قيم وإعلام
أي واقع ترى للمستوى الإعلامي العربي واللبناني؟احتل الإعلام اللبناني في ثمانينيات القرن الماضي المرتبة الأولى، لكنه لم يحافظ على هذا المستوى فنافسته وسائل إعلام عربية وسبقته بأشواط بعدما أضعنا البوصلة ولم نعد نعرف الهدف وما نريد. هل لا يزال الإعلام محافظاً على القيم الأخلاقية والاجتماعية؟أبداً. لم يعد مستوى التخاطب السياسي يعلّم الأجيال كيفية الحوار والمناقشة بين متنافسيْن مثلما كان يحصل في الماضي. وهنا استذكر الخلاف السياسي بين الراحلين رئيس حزب الكتائب اللبنانية بيار الجميل ورئيس الحكومة صائب سلام، اللذين كانا يتبادلان الرسائل عبر مقابلات صحافية وإعلامية بطريقة راقية ولائقة نفهم من خلالها أنهما متخاصمان لكننا نستمتع بأسلوبهما الراقي الذي يخلو من الاهانات والتجريح والانحدار الأخلاقي الشوارعي الذي نشهده راهناً.هل تفلّت مفهوم الحرية الإعلامية أم أن انعدام الأخلاق في المجتمع مهد لانعدامها إعلامياً؟ننتج أحياناً للمُعلن بدلاً من المجتمع. أي أن المُعلن يولي أهمية لنتائج شركات الإحصاء، فيُفضّل بسببها برنامجاً سخيفاً سوقياً بدلاً من الثقافي الراقي، فيصبح التنافس عند هذا المستوى المتدني. وهذا أمر رائج في لبنان أكثر من الدول العربية، لأننا فتحنا الباب إزاء هذه الظواهر تحت مفهوم «الحرية» التي لا نفهم أساساً ماهيتها الحقيقية. لكن ثمة مؤسسات إعلامية عربية محترمة لم تنجرّ إلى متطلّبات السوق محافظة على مستوى معيّن لبرامجها.ألا يحتاج الإعلام إلى نداء أخير أيضاً؟هو نداء أخير تجاه المجتمع ككل، ينضوي تحت جناحيه الإعلام والتعليم والدين والاقتصاد.ناقم على الواقع السياسي ورغم ذلك تمتهن إخراج البرامج السياسية وتدير عمليات أخبار.لم أعد قادراً على الخروج من هذا الواقع المهني، ولكن لو عاد بي الزمن لاخترت مجالاً آخر.مقارنة وشاشات
انطلاقاً من تبادل الخبرات بين MTV ومحطات عربية وعالمية، ما الذي ينقصنا لبلوغ مستوى متقدّم؟لم يسبقنا الإعلام العربي في كل المجالات. فوجئت صراحة بنسبة اللبنانيين العاملين في الإعلام العربي والتي تتخطى الجاليات العربية الأخرى. وهذا دليل تميّزنا المهني الذي لا نعرف كيفية إظهاره في وطننا بسبب تركيبة هذا البلد.ما الذي لفتك في المحطات العربية؟التنظيم والجديّة اللذان نفتقدهما في لبنان. لدينا آلية عمل متقدّمة وتقنيات متطوّرة أفضل من سوانا. كذلك لاحظت بعد زيارتي (CNN وNBCوFoxnews ) أننا جيّدون جداً في هذا الإطار لكننا نفتقر إلى الالتزام. فلو التزم كل موظّف في MTV بعمله مثلما يلتزم مع دينه وحزبه وعائلته، لبلغنا في خلال ستة أشهر المرتبة الأولى عربياً، مثلما نحتلّها راهناً في لبنان.تطوّر إلكتروني
أي مستقبل للإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في ظل تطوّر الإعلام الالكتروني؟حقق الإعلام الإلكتروني حيزاً كبيراً على الصعيد العالمي، فأصبح الفيسبوك وتويتر وإنستغرام أسرع الوسائل لتداول الأخبار والصور. إنما يفضّل الإنسان بطبيعته متابعة شاشة كبيرة حين يجلس مساء في منزله بدلا من وضع رأسه في شاشة الهاتف الصغيرة. في رأيي، سنبلغ مرحلة تزاوج بين مواقع التواصل الاجتماعي وبين التلفزيون ستتمظهر بشكل ما قريباً، لأنه لا غنى عن التلفزيون كما لا يمكن تجاهل التطور الحاصل على صعيد التواصل الاجتماعي. أي ميزة سيحافظ عليها الخبر التلفزيوني؟صحيح أننا نقرأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي مئات الأخبار إنما يبقى الأساس في كيفية تصفيتها في النشرة الإخبارية المسائية التي تتميّز بها كل محطة، فتوضع لها النقاط وتتبلور وفق الأهمية. بذلك يستطيع المشاهد تمييز النشرة المهنية وتلك التي تهدف إلى غسل دماغه.احترام وتعاون
أين أصبح مفهوم احترام عين المشاهد في ظل كسر المحظورات سواء في البرامج أو نشرات الأخبار؟تقع هذه المسؤولية في النهاية على القيمين على المحطات. كلما اجتمعنا مع الأستاذ ميشال المر (مدير عام محطة MTV) لطرح هذه الجدلية، أصرّ على عدم عرض مشاهد الجثث أو الأشلاء أو المشاهد الدموية، كذلك نبّه من تحوّل المحطة إلى إعلام أصفر، أي استعراض حالة اجتماعية استثنائية شاذة وتعميمها على المجتمع لأننا بذلك نضرب قيمنا الأخلاقية والاجتماعية. ما رأيك بالإعلام الحربي؟أرفض ما يُسمّى إعلاماً حربياً، ولا أرى تفسيراً لهذا المصطلح. أؤيد الإعلام الرسمي الصادر عن الجيش الوطني في كل بلد.من هو الإعلامي العربي الذي تحبّ أن تتعاون معه؟تعجبني شخصية الأستاذ تركي الدخيل الذي أصبح مدير عام «العربية». أحببت تقديم برنامج معه لأنه يتفاعل كثيراً مع المخرج وهذا أمر مهم جداً. في رأيي من الأفضل ابتكار حلقة مغلقة للبرنامج مؤلفة من مخرج واحد ومقدّم واحد، لأن ذلك يؤدي إلى تفاعل لاإرادي ووحدة حال بينهما يميّز العمل بنكهة خاصة.فيلم وأزمة
يقول فرنسوا زيادة إن الوقت حان لتقديم فيلمه الطويل، لكنه مؤجل إلى حين يقرر الهجرة من لبنان. أمّا على صعيد البرامج، يذكر: «لدي فكرة رائدة تحتاج إلى إنتاج عربي ضخم، تطرح مواضيع شبابية جدلية آنية». ويؤكد أن ثمة أزمة إنتاج لبنانياً وعربياً، موضحاً: « لا يحتمل السوق الإعلاني كمّ المحطات وإنتاجاتها الخاصة. في رأيي نتجه مستقبلاً نحو إنشاء ما يسمّى بمحطات متخصصة مثل Netflix والـosn».