إلغاء المشاريع... بين خفض الإنفاق الرأسمالي ورفع كفاءته
الأساليب الدفاعية لمواجهة عجز الميزانية مقبولة ولكنها تبدو قاصرة
عملية تأجيل أو إلغاء المشاريع من حيث المبدأ لا غبار عليها، بل إنها واحدة من الأساليب الدفاعية على المدى المتوسط، لمواجهة عجز الميزانية، إلا أنها أيضاً تبدو أداة قاصرة، إن لم يرتبط هذا التقليص بكفاءة الإنفاق، أي ربطه بأهداف الاقتصاد، بحيث يكون الإنفاق الرأسمالي داعماً للدولة، عبر فوائد اقتصادية.
رغم تكرار التصريحات الرسمية، على أكثر من صعيد، بأن تراجع ايرادات الميزانية العامة للدولة لن يؤثر على الإنفاق الرأسمالي على المشاريع، فإن منطق «العجز المالي والاستدانة» يفرض نفسه على واقع الإنفاق الحكومي، خصوصا خلال الشهور الاخيرة من العام الحالي.فالربعان السنويان اللذان امتنع الجهاز المركزي للمناقصات العامة عن بيان قيمة المناقصات المرساة فيهما، لأول مرة منذ 3 سنوات، شهدا إعلانات رسمية او شبه رسمية عن إلغاء عقود ومناقصات تصل قيمتها الإجمالية الى نحو 3 مليارات دينار، 40 في المئة منها لمشروع الغاز الجوراسي في شمال الكويت، الى جانب مجمع الوزارات في محافظة الجهراء ومستشفى الشرطة وغيرهما من المباني الحكومية التي تكلف مئات الملايين من الدنانير دون أولوية أو حاجة قصوى، فضلاً عن اعلان شركة البترول الوطنية مراجعة أهمية بعض المشاريع النفطية حسب الحاجة إليها، مما يضع العديد من المشاريع المقرة في خطتها تحت طائلة التأجيل أو الالغاء.
تراجع المناقصات
وبنظرة على ترسيات المناقصات العامة، خلال السنوات الماضية، نجد ان عام 2014 شهد ترسية 641 مناقصة بقيمة اجمالية 6.3 مليارات دينار، في حين شهد عام 2015 ترسية 376 مناقصة بـ 4.96 مليارات دينار، أما الانخفاض اللافت من حيث القيمة، أكثر من العدد، فكان في عام 2016، إذ تمت ترسية 167 مناقصة بقيمة 1.34 مليار دينار، ومن المحتمل أن تتراجع قيمة الترسيات لعام 2017، التي لم يعلن عن قيمة الربعين الثاني والثالث فيها على غير العادة، رغم أن قيمة المناقصات المرساة في الربع الأول من العام الحالي بلغت 280 مليون دينار.أساليب دفاعية
وفي الحقيقة، فإن عملية تأجيل أو الغاء المشاريع، من حيث المبدأ، لا غبار عليها، بل إنها واحدة من الاساليب الدفاعية على المدى المتوسط، لمواجهة عجز الميزانية، الا انها ايضا تبدو اداة قاصرة، إن لم يرتبط هذا التقليص بكفاءة الانفاق، اي ربطه بأهداف الاقتصاد، بحيث يكون الانفاق الرأسمالي داعما للدولة عبر فوائد اقتصادية تمثل ايرادات مستقبلية تمول الميزانية بعوائد غير نفطية، إلى جانب توفير فرص عمل للشباب خارج إطار القطاع العام، فضلا عن جذب التكنولوجيا الى البلاد، ومنح الشباب فرص التدرب والتطوير من خلالها، وهي أمور لا تتحقق عبر النظام الحالي للمناقصات العامة التي ترهق مالية الدولة وميزانيتها، خصوصا في ظل ضغوط العجز المالي ودخول سوق الديون، وإن ارتفعت اسعار النفط بسبب عوامل غير اساسية كاتفاق خفض الانتاج او الظروف الجيوسياسية في المنطقة.المطار مثالاً
لو اتخذنا مشروع بناء مطار الكويت الجديد كمشروع ضخم تصل كلفته الى نحو 1.4 مليار دينار، مثالاً، فسنجد ان الإنفاق الرأسمالي هنا انحرف عن كفاءته بشكل كبير، اذ تمت ترسيته على شكل مناقصة، في حين كانت هناك فرصة ضائعة تحقق جانبا من اهداف الاقتصاد، لو تمت ترسية هذا المشروع عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال نظامي BOT أو PPP، ففي نظام المناقصات التقليدي تعطي الدولة أموالا للشركة الفائزة لتنفذ المشروع المعني ثم تستلمه الدولة وتشغله لمصلحتها، وهنا تحصل الدولة على عائد اقتصادي ضئيل يتعلق فقط بالبنية التحتية، مقابل إنفاقها على العمالة والصيانة والتشغيل، فضلاً عن كلفة التشييد. أما في نظام الشراكة فتكون كلفة التنفيذ من مسؤولية المستثمر، وعندئذ يتحقق للدولة عائد مالي سنوي من خلال الملكية المباشرة او الحصة من عقد الانتفاع، إلى جانب تشغيل العمالة الوطنية في هذه المشاريع، فضلا عن التركيز على جودة الخدمة.اجتهدت الحكومة في تسويق مشاريع الشراكة وإقرارها، باعتبارها أحد الحلول لتنشيط الاقتصاد وتنويعه، وأسست لها هيئة خاصة معنية بتنفيذ هذه النوعية من المشاريع، الا ان السوابق تشير الى ان معظم المشاريع، وخصوصا الـB.O.T كانت لمجمعات ومولات وأسواق ومشاريع محدودة الأهمية والأثر الاقتصادي، في حين أن هذا النوع من المشاريع يتيح فرصا لإنشاء المطارات والموانئ ومحطات المترو، وحتى المدن السكنية والتجارية، فاقتصاد الكويت، وإن كانت دولة غنية من حيث الإيرادات، فقير جداً من حيث التنوع، ومركّز بدرجة عالية المخاطر على مصدر وحيد للدخل.خارج الميزانية
ولعل الحديث عن كفاءة الانفاق يجرنا لحديث ذي صلة عن خطورة الإنفاق من خارج الميزانية، وتحديدا من الاحتياطي العام، على أكثر من صعيد، وهنا يتم خلق بند من المصروفات والالتزامات مصدره اقتطاع الأصول والمصدات المالية، التي يجب المحافظة عليها وتنميتها لمواجهة أي حالات مالية طارئة، كما أنه يقلل من أهمية الميزانية الرسمية للدولة بوصفها سقفا أعلى للمصروفات، وبالتالي يجعل ترشيدها محدود الأثر، مادامت هناك مصروفات أخرى خارجية.في واقع يدور ما بين العجز المالي للميزانية والاستدانة الداخلية والخارجية، من المهم العمل على إصدار موازنة عامة للدولة موحدة على مدى 3 إلى 5 سنوات مقبلة، يمنع فيها أي نمو في الإنفاق العام، إلا بقانون، لضمان عدم التوسع في المصروفات والوصول إلى حجم إيرادات مخطط له مسبقا، إلا أن الأهم هو أن يكون الانفاق العام والراسمالي تحديدا على كفاءة عالية من الإنفاق، ليصب في اهداف الاقتصاد ويخدم تمويل الميزانية وخلق فرص العمل.