لا بد أن نقلق و«نحاتي»
لابد أن نقلق و"نحاتي" الأيام القليلة المقبلة، وماذا تحمل لنا كدولة صغيرة تحيا على بضاعة يتيمة غير مستديمة، هي البترول ولا أكثر، تحيط بها دول كبيرة بتطلعات وتناقضات سياسية أكبر فيما بينها (لا يمكن التوضيح أكثر من ذلك، حسب قانون المطبوعات والجزاء وفِقه واقع "امش تحت الساس"). لابد أن نقلق ونحاتي، فرسالة سمو الأمير لنواب الأمة واضحة، وهي تنبه إلى أن الأمور تسير بوتيرة متسارعة جدًّا، وكل يوم هناك أشياء جديدة. وتقول الرسالة الأميرية إن ما يحدث حولنا ليس بمنأى عنا، وتدعو النواب والشعب إلى عدم الانجرار العاطفي والانفعالي والتكتل القبلي والطائفي، وتذكّر بأن قدر هذه الدولة الصغيرة (وهذا الأهم)، وهو الذي وجدت نفسها فيه ولم تختره، هو" الوسطية" وعدم الانحياز في خلافات الأشقاء الخليجيين، وهذه الوسطية تملي على الدولة اتخاذ موقف الحياد، ولو تخلت الدولة عن هذا الحياد المفروض فستفقد أهم ركائز قوتها، وتخسر ذاتها، ويخسر دول الجوار الخليجية هذا الوسيط الذي يمكن أن يطفئ نيران الخلافات.
لابد أن نقلق ونحاتي، حين يطلب من الكويت أكثر من قدراتها وما يمكن أن تتحمله، فتاريخ الدولة، سواء في نشأتها ككيان بسيط أو في تطورها القانوني وخلق الدستور، يختلف عن بقية دول المنطقة. طبعاً، كانت هناك محاولات في الماضي، ومازالت، لجعل حال الدولة من حال غيرها، لكن الواقع أثبت أن دستورها، وما يفرضه من مشاركة جزئية في الحكم هو الضامن الكبير لديمومتها، ونتذكر كلنا الثاني من أغسطس 1990، ونتذكر وضع الدولة قبل هذا التاريخ، من عام 1986، غير الدستوري، وكيف اصطفت الدولة في تلك الأيام، وكيف انتهينا بالاحتلال العراقي، لنصل إلى قناعة أن قوة هذه الدولة الحقيقية ليست بالجيوش وصفقات أسلحة مكلفة، وإنما بتلاحم أهلها عبر المشاركة الحقيقية في الحكم، وأن أي عمل ينتقص من حريات المواطنين ويكمم أفواههم هو في النهاية يضرب الوحدة الوطنية.لابد أن نقلق ونحاتي من القادم، فقد يطلب من الدولة أن تتخلى عن الحد الأدنى من الحياد المطلوب منها، عندها سنجد حالنا في أتون صراع رهيب لم نختره ولم نستشر في أمره. ماذا نفعل لو انقلبت الحرب القائمة الآن بين دول المنطقة من حروب بالوكالة إلى حرب حقيقية بالأصالة؟! ماذا نفعل، وهناك تحريض من إدارات عدة دول مثل إسرائيل وإدارة الرئيس ترامب لدفع المنطقة للهاوية؟ ماذا سنفعل عندها؟ ماذا سيكون لدينا غير الخراب الكامل! دعونا نقلق ونحاتي... دعونا نكبر ونسمو عن المراهقة السياسية، فالأوضاع اليوم لا تتحمل الكثير."بومنا" اليوم في بحر هائج وعواصف مدمرة، فلنتفق على خط سير آمن، لعل السفينة ترسو بنا على شط الأمان.