«الابن الضال»!
مرة أخرى، وليست أخيرة، يفجر الفيلم المصري أزمة عنيفة في مهرجان القاهرة السينمائي، بعدما سجَّل عدد من السينمائيين والصحافيين، فضلاً عن «الفيسبوكيين»، احتجاجهم، واستنكارهم، بعد إعلان رئيسة مهرجان القاهرة السينمائي د. ماجدة واصف، ومعها المدير الفني للمهرجان الناقد يوسف شريف رزق الله، خلو قائمة المسابقة الدولية الرسمية للدورة التاسعة والثلاثين (21 – 30 نوفمبر 2017) من أي فيلم مصري، فيما تضم المسابقة أفلاماً من تشاد، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وهولندا، والنرويج، وكولومبيا، والأرجنتين، وتشيلي، وسلوفاكيا، والمجر، والتشيك، والهند، وسويسرا، وكوريا، وفيتنام، وأذربيجان!باستثناء فيلم «تونس في الليل» للمخرج إلياس بكار وفيلم «في سوريا»، الذي شارك لبنان في إنتاجه مع بلجيكا وفرنسا، يمكن القول إن الأزمة لا تكمن في الفيلم المصري فحسب، بل في السينما العربية برمتها، وهو ما لم يدخل في حسابات السينمائيين والصحافيين، الذين انتابهم الغضب، بسبب غياب الفيلم المصري، ورأوا في هذا الغياب إهانة للسينما المصرية العريقة!
من حق كل مصري أن تأخذه الحمية على وطنه، ويغضب لأن السينما المصرية صاحبة المهرجان غير ممثلة في مسابقته الرئيسة، بشرط ألا تُصبح «النعرة الوطنية» سبباً في تجاهل عوامل عدة، على رأسها أن مهرجان القاهرة السينمائي ليس جهة إنتاج للأفلام، كي يتهمه البعض بالتقصير أو يُحمله مسؤولية عدم وجود فيلم مصري في مسابقته الدولية، وثانيها أن إدارة المهرجان وقعت في حيرة بالغة، بين الانسياق وراء أصحاب الدعاوى المُطالبة بإشراك فيلم مصري مهما كان مستواه، بحجة أننا «أصحاب الأرض»، ولا ينبغي أن نغيب عن حدث نقوم على تنظيمه، وبين الوقوف بكل قوة في وجه هذه الدعاوى، التي جرت على المهرجان، في دوراته السابقة، كثيراً من المشاكل والأزمات، والهجوم الذي كان أصحاب دعاوى «التواجد المصري شر لا بد منه» أول من تنصل منه، وتهرب من تحمل مسؤوليته، كما تهرب الفئران من السفينة التي توشك على الغرق! بعد الموافقة على مشاهدة بعض الأفلام القليلة التي لم تُعرض تجارياً، وكثير من مداولات ونقاشات اتسمت بضعف المستوى بشكل لا تليق معه الموافقة على دخولها المسابقة الدولية الرسمية باسم مصر، استقر الرأي على انطلاق المسابقة من دون «الابن الضال»، واتخذت إدارة المهرجان أصعب قرار، من ثم أصبحت مشاركة السينما المصرية مقصورة على ثلاثة أفلام قصيرة تتنافس على جوائز مسابقة «سينما الغد الدولية للأفلام القصيرة»، أولها «كل الطرق تؤدي إلى روما» (14 دقيقة) من إخراج حسن صالح، وثانيها «حاجة ساقعة» (20 دقيقة) من إخراج عمروش بدر، وثالثها «ريد فيلفيت» (14 دقيقة) من إخراج محمود سمير ويوسف محمود.غياب الفيلم المصري عن الدورة التاسعة والثلاثين أو «تغييبه»، حسبما رأى البعض، كشف «الشيزوفرينيا» التي أصابت المجتمع المصري عموماً وشريحة المثقفين خصوصاً، فالذين أزعجهم غياب الفيلم المصري عن الدورة التاسعة والثلاثين، ورأوا فيه «إهانة لا تُغتفر»، هم أنفسهم الذين «مسحوا الأرض» بإدارة مهرجان القاهرة السينمائي يوم اختارت «يوم للستات» و{البر التاني» لتمثيل السينما المصرية في الدورة الثامنة والثلاثين، وارتكبت جرماً أكبر، في نظرهم، عندما انتقت «من ضهر راجل» و{الليلة الكبيرة» للمشاركة في مسابقة الدورة السابعة والثلاثين. وفي أعقاب الدورتين خرجت أصوات تطالب بعقاب اللجنة التي أجازت مشاركة هذه الأفلام التي «أساءت إلى سمعة مصر»، وقال الفلاسفة والحكماء منهم: «عدم المشاركة كان أفضل من هذا العار»!حدث هذا في الدورتين الأخيرتين، ومع إعلان قرار المهرجان بعدم الاعتماد على الفيلم المصري في الدورة المقبلة، نظراً إلى ندرة إنتاجه، وتدهور مستواه، بدأ الهجوم على الجبهات كافة. ثمة من رأى أن «غياب الفيلم المصري أضاع بريق المهرجان»، وثمة من طالب بضرورة «استقالة وزير الثقافة والمسؤولين المعنيين بالسينما»، فيما التزم آخرون الصمت حيال الأسباب الحقيقية للأزمة، ومن بينها ظاهرة «هروب المخرجين المصريين بأفلامهم الجديدة والجيدة إلى المهرجانات الإقليمية والدولية»، ورفض الأخذ بالاقتراح الذي يقضي بالربط بين الدعم المالي الذي تقدمه وزارة الثقافة لمشاريع الأفلام الطويلة، وبين منح مهرجان القاهرة السينمائي أحقية العرض الأول لها، على غرار ما يحدث في «صندوق إنجاز» (مبادرة سوق دبي السينمائي لدعم الأفلام في مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج)، فالنوايا ليست خالصة لوجه الله!