"غَزَل البَنات" فيلم سينمائي مصري مدته مئة وعشر دقائق، كتب قصته والسيناريو الفنان أنور وجدي، وكتب الحوار الفنانان الكبيران نجيب الريحاني وبديع خيري، وعُرِضَ لأول مرة عام 1949. ترتيب هذا الفيلم التاسع من أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، المحزن أن هذا الفيلم كان آخر أعمال الفنان نجيب الريحاني، حيث توفي بعد اكتمال العمل فيه، والمحزن أكثر أنه لم يشهد عرضه، فقد توفي قبل ذلك.
قصة الفيلم جمعت الرومانسية بالكوميديا من خلال حوارات هادفة بقصة جميلة قلما نجد مثلها في عصرنا الحالي، ليس لفقر في أدوات السينما أو الفنانين والإمكانات، إنما لطبيعة الحياة التي نعيشها وتعامل الجيل الجديد من المخرجين مع القصة الرومانسية التي خرجت عن عفافها ورسالتها ضمن منظومة القيم الاجتماعية التي تميز مجتمعاتنا العربية. في قمة المجد الكبير للريحاني كان لا بد أن يظهر فيلم بهذا المستوى من الجمال في كل مقوماته، يوم التقى بالفنانة ليلى مراد التي تقطن معه في أشهر عمارة في القاهرة "عمارة الإيموبيليا" في انتظار المصعد، بذلك الوقت الذي كان يعيش فيه عدد من الفنانين، كانت المصادفة قد أدت دورا في صناعة هذا الفيلم حين سألته: متى سنعمل فيلما معا أستاذ نجيب؟ أجابها بأنه مستعد من اللحظة، لم تصدق ما سمعت وطارت إلى زوجها أنور وجدي لتنقل له الخبر حول ما كانا يناقشانه منذ أيام للعمل مع نجيب الريحاني.لماذا نكتب كل هذه التفاصيل عن فيلم عرض للجمهور منذ ثمانية وستين عاما؟نكتب لأن فيه قيماً فنية عالية، ولنلفت النظر إلى أن الفنان مهما كبر أو صغر حجم الدور الذي يقوم به فسيبقى خالدا إذا كان أداؤه مميزا وضمن سياق الفكرة والهدف السامي من الفيلم أو العمل الفني بشكل عام.نكتب لنلفت النظر إلى أن هذا الفيلم ضم حشدا من أكبر وأشهر فناني مصر والعالم العربي في حينه، فبالإضافة إلى نجيب الريحاني وليلى مراد كان هناك كل في دوره الصحيح وتوقيته السليم: عميد المسرح يوسف وهبي والموسيقار محمد عبدالوهاب الذي غنى "عاشق الروح"، وكان سليمان نجيب وعبدالوارث عسر ومحمود المليجي وفريد شوقي وسعيد أبوبكر وزينات صدقي، و"الطفلة" نبيلة السيد واستيفان روستي، ولا نتصور أن فيلما له هذه القصة يخلو من المربية في بيوت الذوات والباشوات ذلك الوقت فكانت فردوس محمد. المدقق في اللقطة التي غنت فيها ليلى مراد أغنية "إتمختري يا خيل" سيجد ضمن الكومبارس الفنانة هند رستم، وكذلك الفنانة دليدا في لقطة أخرى. يقول الموسيقار محمد عبدالوهاب عن دموع نجيب الريحاني في المشهد الذي غنى فيه "عاشق الروح" إن دموعه كانت حقيقية، فقد طلب من المخرج أن يتركه بضع دقائق فجلس في ركن بعيد يستحضر المشهد وعاد يطلب التصوير، وحين سأله عبدالوهاب عن السبب الذي لم يجعله يطلب مساعدة بوضع مواد معينة لتصنع الدموع، أجابه: عندي من الآلام والأحزان ما يغرق بلداً! نكتب عن عمل فني مثل هذا بعد كل هذه السنين يشهد كل من شاهده بأنه مازال يحتفط بألقه ورسالته النبيلة في رسم صورة الحياة الجميلة في الزمن الجميل، ويرسل رسالة تذيب الطبقية في زمن الأسياد والعبيد، فيلم خال من الحروب والنكسات والعصبيات التي تجر الإنسان إلى حيث لا يرغب. ليس من الصعب علينا اليوم أن نقارن بين ما كان وبين ما تحت أيدينا، فقد تعلم المُشاهد خلال الأعوام الطويلة منذ تألق صناعة السينما كيف يميز بين الأعمال الفنية الكبيرة في رسالتها وأهدافها وبين الهابط "التجاري" رغم انجراف الكثير من الفنانين نحوها لتحقيق شهرة زائفة أو مادة زائلة، وأن فيلم البطل الأوحد لا يحقق النجاح إلا في حالات استثنائية، وهذا ما يحدث في عالم السينما اليوم.بالرجوع على عجل إلى تاريخ معظم من ذكرنا من الفنانين في فيلم "غزل البنات" نجد أنهم حققوا ثروات طائلة من وراء أعمال خالدة، لكنهم ماتوا فقراء بل معدمين لأنهم أنفقوا كل ما يملكون على فنهم ليبقى خالدا.* كاتب فلسطيني- كندا
مقالات - اضافات
غزل البنات
11-11-2017