تقرير «المحاسبة» يعكس القلق حول المستقبل
شكك في استدامة المالية العامة ودعا إلى سياسات استباقية حصيفة
أفاد تقرير "الشال" بصدور تقرير لديوان المحاسبة أخيراً يغطي السنة المالية المنتهية في 31/03/2017 وتوحي قراءة مضمون التقرير بارتقاء في المستوى واتساع في مساحة الرقابة، ولعل الأهم، هي الجرأة في تسمية الأمور بمسمياتها، ولن نعرض في تقريرنا لتفاصيل المخالفات المذكورة، التي تمت تغطيتها بكثافة، وإنما استعراض للارتقاء النوعي في محتوى ذلك التقرير، وهو تطور نأمل أن يلقى المزيد من الدعم. فالارتقاء في المستوى تعكسه الجوانب، التي تعرضت للنقد، فهو يذكر بأن إعلان وزارة المالية عن تحديث التصنيف والتبويب لتفعيل المنظومة المتكاملة للإصلاحات الهيكلية والتوجه الفعلي لنظم الإدارة المالية الحكومية، لم يتحقق، ويشير إلى أن نتائج التطبيق في سنته الأولى تجعل الديوان يتحفظ على صحة ما جاء بالبيانات الواردة في الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة.
ويؤكد أن هدف الإصلاح المالي من خلال ترشيد الإنفاق، لم يتحقق، وأن مساهمة إيرادات النفط الفعلية في تمويل الموازنة لازالت بحدود 89.2 في المئة، أي نفس مستويات الخلل المالي الهيكلي، وأن خلل توزيع تلك النفقات ظل كبيراً جداً، إذ تلتهم النفقات الجارية نحو 87.5 في المئة من جملة النفقات العامة، وأن الرواتب والأجور وحدها تبتلع نحو 79.3 في المئة من جملة الإيرادات النفطية، وعجز المالية العامة ظل غير محتمل وبحدود 5.92 مليارات دينار. ومازالت المالية العامة تدعم الموازنات الملحقة والمستقلة بنحو 4.1 مليارات دينار، رغم وجود فائض كبير وغير مبرر في أعداد تلك الهيئات، وذلك كله يجعل هدف إستدامة المالية العامة غير ممكن. شمولية التقرير، يعكسها ذلك القلق الواضح حول المستقبل، أي الدعوة إلى سياسات استباقية حصيفة، وذلك في واقعه أفضل من الرقابة اللاحقة، فهو إلى جانب تشكيكه في استدامة المالية العامة، يعرج على ضرورة ربط النفقات العامة بمشروع التنمية، وهو الأمر الذي لا يحدث. ويتحدث تفصيلاً عن نوعية الإنفاق، وينتقد تجاوز ملاحظات الديوان في تمرير بعض المشروعات التي لا تنطبق عليها القواعد والمعايير المتفق عليها. ويذهب أبعد من ذلك في انتقاده للأعداد الكبيرة للهيئات العامة، ويطلب عدم تأسيس أي هيئة أخرى، شاملاً نوايا إنشاء الهيئة العامة لمدينة الحرير، ويدعو إلى حل أو دمج وزارات وهيئات قائمة تحوطاً من استشراء ذلك التوسع في تأسيسها لإعتبارات وهمية مثل التنفيع.وتبقى قضية الجرأة في الانتقاد المستحق ميزة استثنائية، فقد اعتدنا على مؤسسات عامة تقوم بالعكس، وتغلف الباطل بالصحيح طمعاً في منصب أو ترقية مسؤوليها، فالتقرير ينتقد مجلس الوزراء الذي يتم اللجوء إليه لتجاوز اعتراضات الديوان وذلك بالإستخدام الخاطئ لنص المادة (13) من قانون ديوان المحاسبة. ويذكر 4 حالات تجاوز فيها مجلس الوزراء تحفظات ديوان المحاسبة وتسببت في تحمل المالية العامة لأعباء إضافية بحدود 38.39 مليون دينار، ولم يتم إجراء تحقيق فيها ومحاسبة المتسبب. وفي السياق نفسه فعّل مجلس الوزراء المادة (33) من قانون الديوان بتجاوز ملاحظات الديوان المستمرة، وهي ملاحظات موضع خلاف مع تلك الجهات، ليقوم مجلس الوزراء بحسمها لمصلحة تلك الجهات، وفي ذلك انتقاص لسلطة الديوان، وكان الديوان صريحاً جداً في انتقاده لفساد مصروفات العلاج في الخارج منذ بدايات انتفاخها في تقارير سابقة. نحن نعتقد بأن ديوان المحاسبة من المؤسسات العامة القليلة جداً التي تقوم بمتطلبات عملها بأمانة، ويحدث ذلك رغم ظروف البيئة العامة الصعبة، والواجب يتطلب شكره ودعم حماية استقلاليته ومهنيته.