يمكننا أن نوجه عشرات الانتقادات للحكومة المصرية، لكن ليس من بين هذه الانتقادات أن "منتدى شباب العالم" كان فاشلاً أو عديم الجدوى.الاقتصاد المصري ما زال يعاني معاناة شديدة، بعد مرور عام على قرار "تعويم الجنيه"، وهو القرار الذي رفع سعر الدولار الأميركي لأكثر من الضعف، وترتبت عليه زيادة حادة في أسعار السلع والخدمات، لم تصل آثارها إلى الفقراء فقط، لكنها امتدت لتطول الطبقة الوسطى، وبعض الشرائح في الطبقة الأغنى.
وبموازاة ذلك، فإن معدلات البطالة ما زالت مرتفعة، والصادرات لم تحقق الارتفاع المنتظر، كما أن حجم الدين العام للبلاد وصل إلى مستويات خطيرة.وبجانب تلك المشكلات والصعوبات الاقتصادية ثمة اعتوارات سياسية مؤثرة تكتنف الحياة في البلاد، التي ستشهد انتخابات رئاسية تبدأ إجراءاتها في شهر فبراير المقبل؛ ومن تلك الاعتوارات ما يتعلق بالتضييق على المجال العام، وانتهاكات حقوق الإنسان، والاتهامات التي توجه للحكومة بالسيطرة على المنصات الإعلامية، والضغط على حرية الرأي والتعبير.ويمكن لأي معارض للرئيس السيسي وحكومته أن يجد الكثير من المآخذ على السياسات المتبعة، لكن سيصعب جداً أن تكون إقامة هذا المنتدى، على النحو الذي شهدناه، بين تلك المآخذ.يقول النقاد: "لماذا أقمنا المنتدى؟"، و"من الذي أنفق عليه؟"، و"الدولة فقيرة ومتعثرة ولا يصح أن تبدد أموالاً في مثل هذه الأحداث"، و"كيف نقيم مثل هذا المنتدى في ظل حالة الإرهاب التي نعيشها؟"، و"هل حل هذا المنتدى مشكلة الشباب المحبوسين في قضايا سياسية؟"، و"هل نجح في جلب عملة صعبة تخفف الضغوط على الاقتصاد المنهك؟"، و"كيف نوفر ساحة لشباب العالم ليتحدثوا، في حين شبابنا لا يجدون فرصة للحديث؟".تلك كلها، وأكثر، أسئلة ترددت في "السوشيال ميديا"، و"الإعلام التقليدي"، والمجال العام، وفي الحوارات الثنائية والجماعية بين أفراد الجمهور، على مدى الأسبوع الماضي، الذي انعقد فيه المنتدى.وفي المقابل، فإن معسكر الموالاة لم يقصر بدوره في الإشادة بالمنتدى، واعتباره فتحاً عظيماً، والمبالغة في التداعيات الإيجابية التي ستنجم عن نجاحه، فضلاً عن الاتهامات بالتخوين لهؤلاء الذين ينتقدون المنتدى ويقللون من قدرته على تحقيق أهدافه.إن تلك الحالة التي شهدت انقساماً إزاء المنتدى، خصوصاً على صفحات "السوشيال ميديا"، لم تكن صحية أو إيجابية، لأنها للأسف الشديد افتقدت المعالجة الموضوعية، وعكست الاستقطاب الذي تشهده البلاد في هذه الآونة، وبينت أن هذا الاستقطاب يمكن أن يحرف المقاربات التي تتعلق بالفعاليات السياسية والمجتمعية المختلفة، ويحولها أداة للكيد والتشاحن السياسي بدلاً من أن تكون وسيلة لتقييم الأداء وتطويره.بداية، لا يمكن لأي تقويم منصف أن يحسب الأثر المتولد عن إقامة هذا المنتدى، في ضوء الموارد التي خُصصت لإطلاقه، من دون أن يقيس مردوده مقارنة بالهدف من إقامته.يمكننا أن نتوقع الأهداف التي أُقيم المنتدى من أجلها، لنعرف أن، وعلى عكس ما يرى بعض النقاد، الحكومة المصرية لم تستهدف من إقامته حل مشكلة البطالة، ولا تقليل عجز الموازنة، ولا الحد من ضغوط الدين العام، ولا زيادة الصادرات، ولا القضاء على الإرهاب، أو تقليل الاحتقان السياسي، وبالتالي فإنه من العبث محاسبتها على الإخفاق في تحقيق تلك النتائج، لأنها ببساطة لم تكن على لائحة الأهداف المطلوب تحقيقها.فما الأهداف التي أرادت الحكومة المصرية تحقيقها من إقامة هذا المنتدى إذاً؟أرادت الحكومة المصرية من إقامة هذا المنتدى أن تثبت قدرتها على استضافة حدث ضخم، يحضره ضيوف من شتى أنحاء العالم، في أجواء آمنة تماماً، من دون أي منغصات أو تهديدات.كما استهدفت إثبات أن شرم الشيخ بالذات آمنة وليست وجهة من الوجهات التي تطولها ضربات الإرهاب، وبالتالي فهي بقعة صالحة لجذب السياحة، وتحريك عجلة الاقتصاد، وجلب المزيد من العملات الصعبة.سعت الحكومة أيضاً إلى البرهنة على امتلاك قدرات سياحية جذابة، وطيران آمن، وخدمات لوجستية على أعلى مستوى، وأعادت رسم صورة سيناء التي لم يكن اسمها يرتبط إلا بالعمليات الإرهابية في "الميديا العالمية".أرادت الحكومة أن تغير الصورة الذهنية عن مصر كما تتداولها وسائل إعلام رئيسة، خصوصاً في العالم الغربي؛ وهي صورة تعكس اضطرابات وتعثراً وتهديدات إرهابية، وأجبرت تلك الوسائل على تغيير أجندتها التقليدية التي تقصر تغطياتها للأحداث في مصر على الأخبار السلبية والمشكلات.بدلاً من عناوين "عملية إرهابية في مصر"، أو "اضطرابات في مصر"، كانت العناوين تتحدث عن فعالية إيجابية، وحضور عالمي، وأنشطة ترفيهية، وموضوعات تخص مستقبل العالم وشبابه، وهو أمر يحسن الصورة الذهنية للبلاد، وينعكس لاحقاً في زيادة الثقة بها، ويشجع على زيارتها.تفيد الأرقام التي أعلنها القائمون على المنتدى أن نحو 233 ألف شاب تقدموا بطلبات للمشاركة في هذا الحدث، الذي بلغ متابعو صفحته الرسمية أكثر من مليون متابع، وحضر الفعاليات نحو 3200 شاب ومدعو، من 113 دولة، كان من بينهم رؤساء دول وحكومات ومجالس نيابية، وعلماء، وشباب لديهم تجارب ملهمة، شاركوا في 48 جلسة عمل، توزعت على محاور تخص مستقبل العالم، ووسائل الإفادة من طاقة الشباب لرسمه على نحو أفضل.أحد أكثر الانتقادات التي تم توجيهها للمنتدى تتعلق بحجم الإنفاق عليه، وما إذا كانت البلاد، التي تعاني تعثراً مالياً، تسمح بمثل هذا "البذخ"، وهو أمر ردت عليه الحكومة موضحة أن نفقات المنتدى جاءت من رعاة ورجال أعمال وليس من الموازنة العامة للدولة.وحتى لو كانت نفقات المنتدى جاءت من الموازنة العامة للدولة، فإن العائد المتولد عن تلك النفقات كان كبيراً بحيث يصب في مصلحة قرار إقامته، خصوصاً بعد النجاح اللافت الذي حققه.لقد كانت إقامة ذلك الحدث في إحدى مدن سيناء، في هذا التوقيت بالذات، وبتلك البراعة التنظيمية، مكسباً كبيراً للحكومة المصرية؛ وهو أمر يجب الإقرار به، من دون أن يعني ذلك أن تلك الحكومة لا ترتكب الأخطاء وتتعرض للإخفاق في أحيان كثيرة.* كاتب مصري
مقالات
مصر... هل نجح منتدى الشباب؟
12-11-2017