فاتورة الإسلام السياسي!
المشهد في العالم الإسلامي، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، كالح ورمادي، ومخضب بالدماء، والنفوس مملوءة باليأس والكآبة، أخباره القتل والتشريد، وأحوال أهله اليُتم والترمُّل، وأوضاعه الاقتصادية العوز في غالبيته، وفي مكان آخر التبذير على الاقتتال والحروب، ومقدَّراته المالية بين الفساد والسرقات المباشرة وصرفها على الغريب، فيما أجساد أبنائه يمزق بعضها البارود، وأخرى تطفو على السواحل في رحلة التغريب.هذه هي فاتورة 30 سنة من الإسلام السياسي بشقيه؛ السُني والشيعي، هذا ما فعله بالمسلمين حسن البنا وأسامة بن لادن والخميني وخامنئي، جعلونا أطرافاً متقاتلة، متحجرة الفكر، وفي صراع دائم مع الحضارة والتقدم، ومشروعاً لدول تكفيرية لا تقدم لمواطنيها سوى المشاريع الانتحارية الأبدية، وتعدها بحرب تلو الأخرى، وشعوباً تعيش في طوائف، بدل أن تعيش في أوطان.
نعم، تعرَّضت دول الأمة الإسلامية لنكسات، كما تعرَّض الكثيرون غيرنا في فيتنام والصين وكوريا الجنوبية وألمانيا، لكنها عادت أمماً عظيمة بمشروع دول مدنية علمانية أثبتت نجاحها وقوتها.فقد كانت لدينا مقاومة فلسطينية ثورية مدنية محترمة دعمها العالم وأدخلها الأمم المتحدة، ويوم تم صبغها بطابع ديني انفضَّت الدول عنها، وتُرك الفلسطينيون لمصيرهم، فيما ثورات الشعوب العربية من أجل الديمقراطية والحرية دمرتها القوى الدينية في لبنان ومصر وتونس وليبيا وسورية، والتي نتج عنها إعادة السلطة مرة أخرى للعسكر والطغاة. وفي العراق، الذي كان متوقعاً بعد سقوط صدام أن يكون يابان الشرق، تحوَّل بسبب الإسلام السياسي إلى دولة ميليشيات دينية إيرانية.المشكلة أنه مازال بعد كل ما جرى في أفغانستان والعراق ولبنان وليبيا وسورية... إلخ، هناك مغفل يقول إن الحل لدولنا "بالعودة للإسلام". المشكلة الأبدية، أن هذه الأمة لا تتعلم من تاريخها، ولا أخطائها، ولن تعترف يوماً بأن الدين معتقد شخصي، وليس وسيلة لإنشاء وإدارة دولة حديثة، وأنه في عصرنا الحالي لن تقوم دولة دينية وتستطيع البقاء إلا على أنهار من الدم، لذا سنتابع قريباً نتائج فقع "الدمل اللبناني"، الذي تحوَّل إلى سرطان يفتك بالمنطقة ككل، بسبب حزب الله، صاحب المشروع الإسلامي السياسي، وما سينتج عنه من ثمن باهظ في الأرواح والممتلكات، ليكون فاتورة جديدة من فواتير الإسلام السياسي التي استحقت الدفع، كما أخرياته التي مازالت تُسدد في العراق وسورية ومصر واليمن وليبيا.