بعد اكتمال مسابقة «المهر القصير»، التي ينظمها مهرجان دبي السينمائي الدولي، وتنطلق مع دورته الرابعة عشرة (6 - 13 ديسمبر 2017)، ويحصل المخرج الفائز فيها على «جائزة المهر»، كما يُرشح الفيلم الحاصل على الجائزة على فرصة استثنائية للترشح ضمن القائمة الطويلة لجائزة أوسكار الفيلم القصير في عام 2019، يمكن القول إننا مقبلون على وجبة أكثر من رائعة، بعدما أضحت المسابقة فرصة لاكتشاف المواهب الواعدة في السينما العربية، ومنبراً لعرض الأفكار الطازجة، وفضاءً للحوار بين المبدعين العرب، سواء أكانوا صانعين للأفلام أو نقاداً وباحثين أو مجرد متلقين.تضم المسابقة 15 فيلماً لا نبالغ عندما نقول إنها ستتحول إلى مرآة تعكس الوضع الراهن للأمة العربية، وساحة لعرض، ومناقشة، مجمل الإشكاليات الثقافية في عالمنا العربي. من فلسطين يصوِّر المخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل في فيلمه «رجل يغرق» حياة اللاجئين الفلسطينيين، ومآلات القضيّة الفلسطينية، في مخيمات اللجوء (يذرع «فتّاح» شوارع أثينا محاولاً أن يجد أموالاً كافية تمكّنه من مواصلة العيش)، بينما يتناول المخرج الفلسطيني ركان مياسي، الذي ترعرع في الأردن، قضية الأسرى الفلسطينيين، من منظور جديد، في فيلمه القصير «بونبونة» (امرأة تزور زوجها الأسير الفلسطيني في مُعْتَقلٍ إسرائيلي يُحظر فيه أيّ اتصال جسدي بين السجين والزائر، ويهتديان إلى خطة جريئة لكسر الحظر). وتقدم المخرجة الفلسطينية-الأردنية ياسمينا كراجة، من خلال فيلمها «رابتشر»، في عرضه الدولي الأول، رؤيتها لتداعيات الحرب على الأجيال الجديدة (أربعة من الصبيان اللاجئين يبحثون عن حمام سباحة عام في مدينتهم الجديدة في يوم حار، لكن رحلة البحث تقودهم إلى إعادة رسم خبراتهم الشخصية كمراهقين ناجين من الحرب)، بينما تعرض الكاتبة والممثلة والمخرجة التونسية نضال قيقة في فيلمها القصير «أسترا» في عرضه العالمي الأوّل، هموم مرضى متلازمة داون (يقرر رجل، رغم اعتراضات زوجته، اصطحاب ابنته المصابة بمرض متلازمة داون، إلى فضاء للألعاب الترفيهية اسمه أسترا). ومن تونس أيضاً يبث المخرج عبد الحميد بوشناق، في فيلمه «كعبة حلوى» (لو بونبون)، روح التحدي والإصرار لدى جيل الشباب، ويطالبه بضرورة مواجهة مصاعب الحياة (شاب حديث التخرج، والطموح والمتفائل، يحظى بدعم وتشجيع كبيرين من أمه، لكنه يُفاجأُ منذ اليوم الأول لعمله مأمور محضر، بواقع لم يترقّبْه)!
السينما اللبنانية تُشارك أيضاً في رسم ملامح الوضع العربي الآني، عبر الفيلم القصير «الخادمون»، في عرضه العالمي الأول، الذي يفضح مخرجه مروان خنيصر جماعة المنتفعين من الأحزاب اللبنانية إبان الحرب الأهلية (لقاء في فيلا مهجورة للاحتفال بذكرى ما، يقود إلى حديث بين حارس الفيلا، وأحد المحتفلين، ويصبح فرصة لأن يستعيدا ماضيهما المشترك والعنيف). أما المخرج اللبناني فادي باقي، فيرى الواقع اللبناني من منظور آخر، في فيلمه القصير «آخر أيام رجل الغد»، في عرضه الدولي الأول، حيث يسترجع وقائع منسية في الذاكرة اللبنانية (مخرجة شابة، تسعى إلى إنجاز فيلم وثائقي يُميط اللثام عن أسطورة منسيّة تخص الإنسان الآلي الذي تم إهداؤه إلى مدينة بيروت في العام 1945، بمناسبة الاستقلال، وألقي في مكان مهجور في بيروت، وها هو يخرج من عزلته ليخبرنا عن سيرته ويتعرف إلى لبنان اليوم). وفي فيلمه الأحدث «زيارة الرئيس» يبدو المخرج وكاتب السيناريو اللبناني سيريل وكأنه يستلهم مسرحية «زيارة السيدة العجوز»، للأديب العالمي فريدريش دورينمات، والفيلم المصري «زيارة السيد الرئيس» للمخرج منير راضي، حيث القرية الساحلية اللبنانية الصغيرة والمهملة، التي يشيع بين صياديها أن رئيس الجمهورية سيزورها بشكل سري، فينقلب حالها رأساُ على عقب. أما المخرجة اللبنانية فيروز سرحال فتعرض فيلمها القصير الأول «تشويش»، الذي عُرض لأوّل مرة عالميّاً في «مهرجان لوكارنو السينمائي»، وتتطرق فيه إلى مشاعر الإحباط وخيبة الأمل من زاوية جديدة (سكان مدینة بیروت في انتظار انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، وفيما تسير الحیاة بشكل طبیعي، يعتري خلل إشارة بث المباراة الأولى، فیشيع الإحباط في أرجاء المدینة، ویكون ذلك مفتتحاً لحدث مباشر أكبر بكثیر). ويختتم المخرج اللبناني طلال خوري، المشهور بأفلامه القصيرة مثل «عضلات» و«يوم الاثنين»، المشاركة اللبنانية بفيلمه الأحدث «متوسط»، في عرضه العالمي الأول، الذي يقترب من ظاهرة الهجرة غير الشرعية (مأساة مهاجر غريق في الدقائق القليلة التي تسبق ابتلاعه من قبل الأمواج، ورغم تكرار الفاجعة كل عام في مياه البحر المتوسط أمام مرأى ومسمع العالم بأسره، فإن الظاهرة تتواصل بشكل أكبر لدى كثير من المهاجرين هرباً من قساوة الحروب والواقع)... وللحديث بقية!
توابل - سيما
«هموم عربية مرئية»! (1-2)
13-11-2017