دستور الحد الأدنى!
مع ذكرى مرور 55 عاما على صدور دستور دولة الكويت تأخذنا بانوراما الحياة السياسية في الكويت في جولة تحمل ذكريات جميلة ومحطات مؤلمة، وتتخللها إشراقات الأمل وهواجس التشاؤم، وتجمع بين الإنجاز والإخفاق، وترسم روح التحدي بين التمسك بالديمقراطية والانقلاب عليها، ولكن رغم كل معالم هذا المشهد تظل حقيقة واحدة وهي أن دستور 1962 لم يمس ولم يتغير.السؤال الكبير الذي ظل يتردد طوال نصف قرن بعد إقرار الدستور في 11/11/1962 هو حول تعديل هذه الوثيقة القانونية، ومثل هذه الرغبة انطلقت من مختلف الأطراف سواءً من نعتقد أنهم ضد الديمقراطية الكويتية أو حتى ممن لم يؤمنوا يوماً من الأيام بالدستور كمرجع قانوني ووطني وعنوان للحياة السياسية ونظام الحكم، أو من يسعى إلى المزيد من الصلاحيات الشعبية وتوسيع دائرة المشاركة في صنع القرار وتعزيز مبادئ العدالة والحرية، بل إن الممارسات العملية لكل هذه الأطراف كانت دائماً تعكس هذه الرغبة الكامنة في العقول والقلوب.
يبقى أن الدستور الكويتي جامد ولا يمكن تغييره أو تعديله إلا بموافقة الأمير وثلث أعضاء مجلس الأمة، كما أن إقرار تنقيح مواده بشكل نهائي لا يتم إلا بموافقة الأمير وثلثي أعضاء المجلس، ولما كان من الصعوبة بمكان جمع الإرادتين في الوقت نفسه وعلى مبادئ محددة وواضحة فستبقى الحال على ما هي عليه.بناءً على ذلك فإن مفهوم دستور الحد الأدنى سيظل صامداً، وبالتأكيد تستمر مع ذلك حالة التجاذب والاختلاف وفق ما هو متاح من مواد دستورية وطرق تفسيرها، والغلبة في ذلك لا تكون لمن يملك قوة الإقناع القانونية أو تبعاً لدرجة الإيمان بالدستور، ولكن لمن يملك مقومات القوة والنفوذ وأدوات الإغراء لحشد المؤيدين لرأيه، وبالتأكيد فإن الحكومة وبما تستحوذ من سلطات واسعة ووسائل الإغراء المادية والسياسية فإن كعبها الأعلى ودرجة تحكمها أكبر في هذا الشأن.الطرف الآخر الذي يفترض أن يمثل الشعب والمصلحة العامة لا يملك إلا قوة الإرادة الشعبية، بل أغلبية الأمة المؤيدة لتوجهاتها، وهذه القوة في الحقيقة شبه مستحيلة بسبب غياب التنظيمات السياسية ذات الرؤى والبرامج الواضحة والشفافة، بالإضافة إلى هشاشة مفهوم الهوية والمواطنة، ووصول الكثير من أعضاء مجلس الأمة عبر قنوات التمثيل الضيق؛ إما فئوياً أو قبلياً أو طائفياً، والأدهى من ذلك نقل الخلافات الخاصة والأولويات إلى قبة البرلمان، وهذه التشكيلة المجزأة لا يمكن معها الوصول إلى أرضية مشتركة واسعة قادرة على احتواء استحقاقات سياسية كبرى مثل تنقيح الدستور.لذلك نجد أن أقلية من المؤمنين بالديمقراطية والمصلحة الوطنية العامة لا يتصدون دائماً للحفاظ على دستور الحد الأدنى فقط، بل لكيفية استثماره لمصلحة عموم أبناء الشعب الكويتي على الرغم من كل الصعوبات والتحديات والمضايقات من مختلف الأطراف، ولهؤلاء نرفع تحية الاحترام والتقدير في ذكرى الدستور!