أقيمت أمس الأول أمسية حوارية للروائي السعودي محمد حسن علوان، بمركز جابر الأحمد الثقافي، للحديث عن تجربة كتابة الرواية التاريخية، أدارتها الروائية بثينة العيسى، وحضر الندوة جمع كبير من الأدباء والمثقفين. في البداية، قالت بثنية العيسى: "قرأت لمحمد علوان دائما وأنا أتساءل: لمن ستحسم هذه المعركة، إن جاز تسميتها كذلك، بين الروائي والشاعر؟ وهل تتعارض مصالح الروائي والشاعر بالضرورة داخل النص؟ وإذا كانت اللغة تتفجر بين يديه بهذا السخاء، فهل الأمر للكاتب نعمة أن لعنة؟ وهل يجب عليه أن يجد مساحات يتنفس فيها للروائي والشاعر بحرية دون أن يتصادما؟".
وأضافت: "بدا لي أن محمد علوان عثر على هذه الأرض المتجاوزة للصراع بين الأدوات التي يملكها؛ الشعرية والروائية. فأن تكتب سيرة روائية متخيلة عن محيي الدين بن عربي، فهذا يعني بالضرورة أنك عثرت على أرض تولد منها الرواية، ويتنفس فيها الشعر". وتابعت العيسى: "في موته الصغير كانت ولادته، ولادة جديدة لعلوان، بصفته روائيا قادرا على أن ينهل من التاريخ، ويدشن مسارا سرديا متسقا، وينتهي برواية، هي ليست رواية عن ابن عربي وحده، إنها رواية عن المشرق الإسلامي، وعلاقته مع الله والذات وسؤال الوجود". من جانبه، تحدث علوان عن روايته (موت صغير) عن سيرة متخيلة للفيلسوف محيي الدين بن عربي منذ ولادته بالأندلس في منتصف القرن السادس الهجري، حتى وفاته في دمشق، والتي فازت منذ شهور بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها العاشرة.وعبَّر علوان عن سعادته، لوجوده في الكويت، وقال: "لم أكن أتخيل يوما أني سأكتب رواية تاريخية"، لافتا إلى أنه ركز على شخصيته (ابن عربي) كرحال في روايته (موت صغير). وأشار إلى أن روايته كانت، كسيرة حياة، مزدحمة بالرحيل والسفر من الأندلس غربا حتى آذربيجان، مرورا بالمغرب ومصر والحجاز والشام والعراق وتركيا.وعن سبب اختياره لهذه الشخصية وكتابتها، قال: "أحيانا يبدو مستغربا أن تُكتب رواية عن ابن عربي بتلك الأبعاد الطاعنة في مشرقيتها، فيما أنا مقيم في هذا الجزء البعيد البارد من العالم في تورونتو بكندا، لكن أفكر أحيانا في ذلك، فأجد أن التلامس مع المختلف الغريب هو الذي يدفعني باتجاه ذاتي وتراثي وثقافتي القديمة".من جانب آخر، بيَّن علوان أن "محيي الدين ابن عربي كان من أسرة مرموقة، وميسورة الحال، وما غاب عن كل هذه الكتابات عنه هو ابن عربي الإنسان. فبقدر حجم هذا الشخص في تراثنا الإسلامي والعربي، وبقدر ما تركه من آثار ومخطوطات، فإن سيرته مختزلة ومنقوصة، ولا تكاد تتجاوز الثلاثين صفحة، وكل ما نعرفه عن ابن عربي قليل جدا، فلا نعرف كم تزوج وكم أنجب، فسيرته المختزلة مثيرة للتساؤل"، مشيرا إلى أن أغلبية علماء الدين والفلاسفة من الشرق والغرب؛ عربا وغير عرب، كان هناك اهتمام بسيرتهم. وأوضح علوان أنه من خلال كتاباته اجتهد كثيرا، وقام بالكثير من القراءة والبحث، ليس في سيرة ابن عربي فقط، لكن لكل من عاصروه من العلماء والحكام والخلفاء، وفي سيرة المدن التي زارها؛ شكلها وتجارتها ولهجة أهلها وأسلوب حياتهم، وبعض هذه المدن كُتب عنها بغزارة، مثل: الإسكندرية وبغداد، والبعض الآخر لم يُكتب عنها سوى دراسة أو اثنتين.وتابع: "لذلك، كنت أتعلم وأنا أكتب وأقرأ ما يمكنني من أن أكتب، واستفدت في ذلك من تجربة السنوات الخمس التي قضيتها في تحضير رسالة الدكتوراه الخاصة بي، فرغم اختلاف المجال، فإن أدوات البحث واحدة والمنهج متشابه". وكشف علوان عن أنه قام بحذف أربعة فصول من الرواية، مشيرا إلى أنها تتضمن مواقف حقيقية حدثت لابن عربي، لكنه حذفها، لأنها تحمل تكراراً، ولا تضيف للعمل.
لغة جميلة
ولفت علوان إلى أنه لم يتخلَّ عن الشاعر في داخله، حيث إنه بدأ كتابة الشعر في سن الرابعة عشرة، مضيفا أنه دخل عالم الرواية من باب التجربة فقط. وردا على مقولة كولن ولسون، بأن "قيمة الرواية تأتي من كونها مرآة للواقع، وأن على الروائي أن يكون شاهدا على عصره"، قال علوان: "لا أكتب شهادتي على العصر، ولا أتفق مع هذه الرؤية، ولا أستطيع أن أكتب بهذه الطريفة، فهذه الطريقة تشبه الأبحاث الاجتماعية".ومن المداخلات، قالت الكاتبة ليلى العثمان لعلوان: "أنا سعيدة جدا بلقائك، بعدما التقيتك في كل كتاباتك، وكنت حريصة بعد كل رواية أن أتصل بك. أنا لم أتصور أنك تخليت عن شعريتك، لأنك وظفت الشعر في كتاباتك، فاللغة الجميلة الرائعة التي تكتب بها قليل من الكُتاب مَن يهتم بأن يعطي جماليات اللغة في كتابته".