التاريخ السياسي للتشكيل الحكومي 4
تمر البلاد الآن بأزمة سياسية، أو هكذا يفترض. إلا أن أزماتنا السياسية صارت منذ أمد بعيد بلا لون ولا طعم ولا رائحة. الحكومة مستقيلة، وبانتظار التشكيل الجديد دون بوادر لخروجه من مطبخ التحضير السياسي. كما يلاحظ كذلك تراجع المطالبات بتشكيل حكومي يحمل نكهة، بعيداً عن الزلازل والعوافير وما بينهما. الحكومة القادمة صعبة التشكيل لأسباب يعرفها سمو رئيس الوزراء. هي الحكومة السابعة في عهده فإن تبعتها الثامنة يكون قد كسر الرقم القياسي، وتفوق على من سبقه، وهو ليس تفوقاً محموداً بالضرورة.كانت أزمة المادة 131 من الدستور في ديسمبر 1964 هي أزمة تشكيل حكومي بالدرجة الأولى، جاءت كالصاعقة في بداية مسيرة الديمقراطية، وكادت تطيح بها في مهدها، حيث انسحب 27 عضواً منتخباً من جلسة أداء اليمين الدستورية لوزراء جدد تمت إضافتهم للحكومة بعد عدة استقالات وزارية، متسببين في فقدان نصاب الجلسة. فكيف التدبير؟
أمير البلاد حينذاك الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، كان خارج البلاد، وكان مطلعاً على تفاصيل الأزمة، حيث وجه قبل شهرين منها، في افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث، دعوة إلى النواب والحكومة للتماسك والعمل المشترك بما فيه مصلحة البلاد والعباد، وذكر فيها بيت الشعر المشهور منبهاً لمخاطر الشقاق، وقيادة الأشرار للأمور، ويبدو أن تشاؤمه كان في محله، ودعواته ذهبت أدراج الرياح. الأجواء كانت ملبدة بالغيوم. المعركة السياسية لم تكن تقليدية، أي بين معارضة وحكومة مثلاً، فلم يشارك بالانسحاب مثلاً أقطاب المعارضة حينها مثل د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي، رحمه الله، وغيرهما. كانت الأزمة نتاجاً لتداخلات متعددة، أهمها خلاف بين الشيوخ ذاتهم، إضافة إلى عناصر نيابية.في غمرة الاحتقان السياسي، تقدم رئيس الوزراء إلى الأمير بطلب حل مجلس الأمة. إلا أن عبدالله السالم رفض حل المجلس، وطلب من رئيس الوزراء إعادة التشكيل الحكومي والتفاهم مع مجلس الأمة بما يخرج البلاد من أول أزمة حقيقية تواجه الخطوات الأولى من الديمقراطية. وهكذا كان، تم تقديم تشكيل حكومي جديد تم فيه استبعاد أسماء وإضافة أسماء أخرى، دون الالتزام بالمادة 131 من الدستور، وعقدت الجلسة دون انسحابات، وتم أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، وتم اعتماد الحكومة. إلا أن الظاهر غير الباطن، والمكشوف غير المستتر، حيث عكست تلك الأزمة حالة صراعية ستظل مهيمنة على مجريات العملية الديمقراطية برمتها، ربما حتى يومنا هذا، واتضح ذلك الأمر بحل المجلس البلدي 1966 ، وإصدار قوانين غير دستورية، واستقالة ثمانية أعضاء، إلى جانب التلاعب المكشوف بانتخابات 25 يناير 1967. وكان من ضمن تداعيات أزمة المادة 131 من الدستور استقالة رئيس المجلس عبدالعزيز الصقر، رحمه الله، من الرئاسة احتجاجاً، وبقي عضواً في المجلس. من حيث المبدأ لم يكن هناك تغيير يذكر من حيث التشكيل، ولكن الشيطان كان في التفاصيل حسب المثل الإنكليزي. فماذا قال جاسم القطامي، رحمه الله، تعليقاً على مجريات الأمور وتهافتها؟ وللحديث بقية.