الحادي عشر من نوفمبر
مرت منطقة الخليج بأحداث عديدة، وبتركيبة فريدة من نوعها جمعت السياسة بالأمن والاقتصاد، ومن أبرز الأحداث تكوين النواة لنظام سياسي في المنطقة، فمنذ عام 1756 والمنطقة جاذبة للهجرات من الدول المجاورة باتجاه التجارة والانتفاع بموانئها بالإضافة إلى شراء السفن التي احترف أهل الخليج صناعتها. ولم تكن الظروف محفزة لتكوين النواة الاقتصادية فقط، إنما كان للثقافة السياسية دور أيضا، فاتجه أهل الكويت، متأثرين بالدول العربية وبعوامل اجتماعية وأمنية وسياسية، إلى اختيار أول حاكم وسط تفاعل الأحداث، فظهرت الدولة كوحدة سياسية تتطلع إلى التميز في الجوار الخليجي والعربي. وبدأت مسيرتها بطريقها السياسي وسط صوت الشعب المتمثل بالمطالبات وسعة صدر الحاكم المتمثلة بالمشاركة في المجالس بأنواعها التشريعية والتعليمية، بل الاجتماعية البحتة أيضا؛ معززة روح الأسرة الواحدة، ففي العشرينيات والثلاثينيات كانت الحياة دستورية أو كما أسماها البعض الممارسة الديمقراطية حاضرة وخاضعة للتطوير.
أما الجزء الإداري والتنفيذي للدولة فقد خضع أيضا للتطورات والتغيير، فبدأت إداريا بعد الطفرة النفطية في الخمسينيات بتأسيس مجلس الإنشاء 1952 لإدارة مشاريع التنمية العمرانية والإدارية، و1954 أنشئت اللجنة التنفيذية لتنظيم الدوائر الحكومية والأجهزة الحكومية المختلفة، و1959 صدر مرسوم بتعيين رؤساء الدوائر الحكومية لإدارة شؤون البلاد.وما بين الاستقلال 1961 والممارسة الديمقراطية 1963 جاءت الوثيقة في الحادي عشر من نوفمبر نتاجا لاجتماعات نوقشت فيها الحريات والقوانين؛ فاكتمل الدستور بقواعده المكتوبة وغير المكتوبة، محددا مصادر السلطة السياسية وأهدافها وصلاحياتها وحدودها، وراسما خريطة القوة في المجتمع، ومتناولا الأقسام الأربعة ألا وهي: المقدمة والمبادئ العامة والجزء التنظيمي والعلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحقوق المواطنين وحرياتهم والأحكام الخاصة والمتعلقة بتعديل الدستور. ورغم قصر مدة المجالس التأسيسية فإنها أنجزت وساهمت في البنية الأساسية للمجتمع والدولة، ففي أغسطس 1961 أنشئ المجلس الأعلى (مجلس الشيوخ الأعلى) بدلا من اللجنة التنفيذية العليا ممارسا (المجلس الأعلى) مهمته في سن القوانين ومراجعة الميزانية العامة للدولة ووضع الخطط بجهود أعضائه الثمانية رؤساء الدوائر. أما المجلس التأسيسي فقد فتح بوابة العمل التشريعي والسياسي، وقد تشكلت بعده أول وزارة في عهد الاستقلال في يناير 1962 تاركة المجال للأطراف الثلاثة من الحكومة والمجلس والشعب لتشكيل الثقافة السياسية وترويض القدرات التفاوضية. مرت بعدها الدولة بتطورات عديدة حتى وصلت إلى بر الأمان بالوثيقة التي مرت علينا ذكراها الخامسة والخمسين، وهي رغم الزمن مظلة للإرادة العامة للشعب وأداة استقرار للدولة. وخلاصة الأمر وفي ذكرى الموافقة على الدستور نقف بفخر متباهين بتلك الوثيقة الشاملة أمام الدول التي عصفت بدساتيرها رياح التغيير. كلمة أخيرة: أصبحت الشائعات في زمننا هذا كحرائق الغابات سريعة الانتشار ويصعب إطفاؤها. وللحديث بقية.