حل الأزمة الإسكانية أعمق من مجرد أعمال مقاولات!
قصور التمويل يكشف انحراف آليات العمل عن جادة المعالجة
رغم خروج نحو 48 ألف طلب إسكاني خلال 4 سنوات من طابور مقدمي الطلبات الإسكانية إلى طابور الحاصلين على تخصيص «موقع على المخطط» دون الحصول على السكن فعلياً، فإن نسبة التراجع في إجمالي الطلبات القائمة ظل ضئيلاً عند 11.7 في المئة.
يبدو أن الأزمة الإسكانية بدأت تأخذ مسارات تكشف إلى حد بعيد انحراف آليات العمل عن طريق المعالجة، مما يؤخر إيجاد الحل لأكثر قضية خدمية من حيث الأهمية في المجتمع الكويتي.فإعلان بنك الائتمان الأسبوع الماضي وجود صعوبات تمويلية يتطلب معها رفع رأسماله 4 أضعاف من 3 مليارات دينار إلى 12 ملياراً، كي يتمكن من تلبية طلبات المواطنين من قروض التسليف، يعبر عن معضلة أساسية في طريق حل الأزمة الإسكانية، ويؤكد فكرة أن الحل أكبر وأعمق من مجرد توقيع عقود أعمال مقاولات لبناء مدن جديدة بعضها متعثر، حسبما بيّن اجتماع مجلس الوزراء الأخير، بعوائق يفترض ألا تكون أصلاً موجودة خلال فترة أعمال المشروع، ومنها وجود ذخائر عسكرية وأجسام غريبة غير مكتشفة في أرض المشروع الأكبر والأهم لمؤسسة الرعاية السكنية، وهو مشروع «جنوب المطلاع»، الذي يفترض أن يلبي احتياجات نحو 28 ألف أسرة كويتية.
تراجع ضئيل
الأزمة الإسكانية في الكويت هي أكثر القضايا الخدمية إلحاحاً، لأنها مرتبطة بنحو ثلث مواطني الكويت، والشريحة مرشحة لزيادة كبيرة خلال السنوات الـ15 المقبلة، لأن 60 في المئة من الكويتيين دون سن الـ24 عاماً، وهو ما يفسر التراجع الطفيف في عدد طالبي الرعاية السكنية خلال 4 سنوات من 111 ألف طلب إسكاني إلى 98 ألفاً، أي بتراجع 11.7 في المئة، رغم خروج نحو 48 ألف طلب خلال 4 سنوات من طابور مقدمي الطلبات الإسكانية إلى طابور الحاصلين على تخصيص «موقع على المخطط»، دون الحصول على السكن فعلياً، إلا أن نسبة التراجع ظلت ضئيلة نظراً لتنامي الصعود السكاني، والضغط على خدمات أساسية كالتعليم والطرق وسوق العمل والإسكان.فلسفة الإسكان
حل أزمة ضخمة على مستوى الرعاية السكنية يحتاج إلى إعادة صياغة لفلسفة الرعاية السكنية وآلياتها، فعلى صعيد الفلسفة يجب الاعتراف وبشكل شجاع من الإدارة العامة للدولة باستحالة الاستمرار في سياسات التوزيع الأفقي بالنظام الحالي إلى ما لا نهاية، لأنه صعب من الناحية الجغرافية، وأصعب من نواحي توفير الخدمات بالمستوى الذي توفرت فيه المدن والمناطق من الخمسينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي، لذلك يجب إعادة طرح العديد من الأفكار كالشقق والمساكن الصغيرة المخصصة مناطق معدة سلفاً لهذا الغرض لمن يرغب في أن يحصل على الرعاية السكنية بوقت أسرع وبمزايا تفضيلية مثلاً في استهلاك الكهرباء والماء، أو من خلال مناطق نموذجية تناسب اختيارات المجتمع وغيرها من البدائل والمحفزات، ولذلك كلما طرحت بدائل أكثر كان الخيار مفتوحاً أمام تسريع وتيرة الطلبات المكدسة، بما يخدم خيارات طالبي السكن الخاص.مصاعب التمويل
أما على مستوى الآليات، فالخلل في مؤسسة الرعاية السكنية عميق، إذ إن عليها مسؤولية في التعامل مع مكونات الأزمة ومفاتيح الحل بعقلية أشمل من حصرها بتوقيع عقود البناء والحفر والتشييد، فهذه رغم أهميتها فإن هناك العديد من البنى التحتية الخاصة بحل الأزمة الإسكانية تبدو المؤسسة منذ إعادة اهتمامها بالقضية قبل 4 سنوات أو أكثر بعيدة عن ملامستها، فصعوبات التمويل لدى بنك الائتمان التي أعلنت أخيراً تستدعي حلولاً لإيرادات الاستثمار، وتنويعاً في مصادر دخل البنك، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التوسع بالاعتماد على الاحتياطي العام لتمويل موارد البنك، فضلاً عن ضرورة إقرار قانون للرهن العقاري بصورة تخدم حلول الأزمة الإسكانية.كلفة الكهرباء لا إنتاجها
ولعل مصاعب التمويل لا تقل في جديتها عن مصاعب الخدمات، وخصوصاً الكهرباء، وليس المقصود فحسب إنشاء محطات كهرباء وإنتاجها بل كلفة هذه الخدمة على الميزانية سنوياً، فمثلاً إنتاج الكويت من الكهرباء حالياً يلامس من 15 إلى 16 ألف ميغاوات بكلفة تصل إلى 1.8 مليار دينار، بما يعادل استهلاك 12 في المئة من إنتاج النفط، وسنحتاج إلى 14 ألف ميغاوات إضافية، أي نصل إلى نحو 30 ألف ميغاوات، لنتمكن من توفير الطاقة الكهربائية لنحو 111 ألف وحدة سكنية، وهنا من المحتمل أن تصل فاتورة الكهرباء وحدها عام 2030 إلى 9 مليارات دينار، بما يوازي 20 في المئة من إنتاج النفط في تلك السنة.هذه الأرقام للاستهلاك الكهربائي، ومن ثم تكلفته، مرعبة لأي مطلع على وتيرة الإيرادات والمصروفات في الميزانية، التي تضخمت 6 مرات في أقل من 15 عاماً، وبالتالي فإن التعامل مع أزمة الكهرباء على أن حلولها تقتصر على بناء المحطات هو قصور في المعالجة التي تتطلب إعادة النظر وبشكل عادل وشفاف بشرائح استهلاك الكهرباء وفقاً لدراسات اقتصادية واجتماعية تستهدف الترشيد لا الجباية، فضلاً عن طرح بدائل مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة الأكثر ديمومة والأقل كلفة والأنفع بيئياً.عقلية المقاولات
الحديث عن التركيز على «عقلية المقاولات» يفتح أحاديث عن تحديات مرتبطة بالبناء والتشييد، فإن صدقت وعود «الرعاية السكنية» ببدء أوامر البناء لمدينة جنوب المطلاع في نهاية عام 2018 فإن هذا الحدث يتطلب تنسيقاً مع عدد من الجهات والوزارات كالتجارة والشؤون والداخلية والبلدية وغيرها لتوفير العمالة المؤهلة لتنفيذ عدد ضخم من المساكن الخاصة، إلى جانب التنسيق مع مصنعي وموردي مواد البناء لتوفير الكميات المطلوبة بالأسعار المناسبة دون تضخم أو احتكار أو غش أو خلافه، إلى جانب التنسيق مع بلدية الكويت لقضايا تفصيلية، لكنها تأخذ أوقاتاً طويلة مثل استصدار أوامر البناء.حل الأزمة الإسكانية يفترض أنه مشروع دولة لا يجب التعامل معه بسطحية ،و بأسلوب تأجيل التعامل مع التحديات إلى حين استحقاقها، فالإنجاز الحقيقي في تغيير الفلسفة بما يخدم الاقتصاد وتسهيل آليات التنفيذ والتغلب على تصاعد الطلبات والتعامل معها وفقاً للشرائح والبدائل وباستهداف وسائل ضريبة تمنع المتاجرة بالسكن الخاص في مسعى لخفض الأسعار المتضخمة في السوق وليس بأعمال الحفر والمقاولات فقط.
تصاعد في كلفة الكهرباء وغياب عن تحديات العمالة ومواد البناء