أكبر من معرض الكتاب
لماذا يمارس الكتاب اللطم السنوي المعتاد مع افتتاح معرض الكتاب بعد أن تسلخ لجنة الرقابة بوزارة "الأوهام" روح الكتب، بمنعها من العرض حين تمارس الدور الرقابي الاستبدادي الأبوي على أصحاب الكتب، وتعدم فكرهم وحلمهم بأن يجد النص مكانه في عوالم القهر والمحظور؟! هل هناك جدوى من اللطم والشكوى من دائرة البؤس البيروقراطي في وزارة الإعلام - وهي وزارة تتفرد بها الأنظمة السلطوية العربية - وهل هناك من ينصت للكتاب أو يتفاعل مع شكواهم عن غياب ثقافة ودراية اللجنة وعشوائية المنع والسماح في قراراتها؟هل يتصور أصحاب الكتب الفكرية والقصص أنه من المجدي نقد عمل هذه اللجنة، التي تكرر مذبحتها للعقل، وتعيد صياغة مأساة الفكر معها كل عام ولسنوات ممتدة؟ (نستثني فترة الراحل الشيخ سعود الناصر حين كان وزيراً للإعلام)، مع اليقين المستقر بأن الحوار مع هذا الجهاز البيروقراطي المنغلق هو حديث مع حائط أصم لا يعي، وهو كلام مع ذات سلطوية متعالية متغطرسة تتصور أنها تسير وفق قواعد نصية مقدسة من سلطة الحكم، وأنها بحكم الدراية والمعرفة (البخاصة)، رغم ضحالة وسطحية درايتها، يمكنها أن تقرر ما هو أصلح للناس كما تمليه أدبيات 1984 لجورج أرويل، فدائماً الأخ الأكبر يراقبكم، ويعرف الأفضل لكم، سواء كان هذا في اختيار العمل الفني في معارض الكتاب أو في اختيار مصيركم في معارض حرياتكم المستلبة.
نعود نسأل عن جدوى اللطم والشكوى من الحيطان الصماء لهذا الجهاز الرقابي في معرض الكتاب أو لكل أجهزة الدولة التي لم نشارك في تشكيلها، ولم يكن لنا رأي في اختيار المسؤولين عنها، وهم الذين جاؤوا بصدفة المعرفة والوساطة والمحسوبية لأصحاب القرار السياسي، والذين يقررون ويرسمون كل أمورنا الحياتية، وفي النهاية يتعين علينا أن ندفع إتاوات جهلها وأخطائها، هل هناك جدوى من الحديث مع جهاز بيروقراطي لا يسمع ولا يكترث للآخر؟ وهل النقد في هذه الحالة ينفع؟!ليست هي مسألة معرض كتاب أو لجنة الرقابة في وزارة الأخ الأكبر حين تمنع أو تجيز عملاً ما حسب ثقافتها المنغلقة، هي قضية حقوقنا الدستورية المستلبة في ممارسة حق النقد وفق مبدأ حرية الضمير، هي قضية القوانين الدراكونية الرهيبة، والأحكام التي تطبقها حين تقذف بالأفراد في السجون لسنوات طويلة لكلمة أو كلمتين في تغريدة بسيطة، ولا نجد نائباً واحداً يقترح تعديل قوانين الظلام هذه أو حتى يتحدث عنها بصوت عال، ولا نرى جمعية نفع عام واحدة مثل المحامين أو الصحافيين وغيرهما، ترفع صوتها ضد هذا الظلم وهذا الطغيان في قوانين وممارسات أجهزة السلطة...! ليست هي قضية معرض كتاب أو مسلخ فكر، هي قضية تبلد وتراجع للوعي العام، وسلطة لم تجد من يقول لها كلمة "لا"، فعاثت جهلاً واستبداداً.