«صاحبة المانشيت»... أنوار التنيب ورواية ترسم عوالم جديدة
رغم أنه أول عمل روائي لها، فإنها تقتحم من خلاله عالم الرواية بثقة ويسر، إذ يجد القارئ العادي متعة في سبر أغوار شخوص الرواية بسهولة، ومن دون غموض، أو محاولة معرفة ما وراء السطور. هي الكاتبة أنوار التنيب التي صدر لها العمل الروائي الأول أخيراً بعنوان «صاحبة المانشيت» عن دار «ذات السلاسل» في 300 صفحة.
طبعت مُساهمات أنوار التنيب في الصحافة محتوى مادة روايتها "صاحبة المانشيت"، ففيها جزء من هذا العالم، وكُتبت بأسلوب اللغة البيضاء، لغة الصحافة، التي ليست عصية على الفهم، ولهذا يبحر القارئ عبر الصفحات بسهولة مع إغراء بتكملتها إلى الصفحة الأخيرة. حتما كانت للكاتبة مُساهمات في كتابة القصة القصيرة والمقال، إلا أن هذه الرواية تدلّ على ميزة تملكها التنيب، وهي النفس الطويل في الكتابة، وعدم مواجهة أية صعوبة في صنع الأحداث، وإن كان بعضها يطرح التساؤل حول إمكان وقوعه أصلاً! اتخذت صياغة العمل طابع السيرة الذاتية للبطلة "إيمان"، فهي التي تحكي مسار حياتها، إذ تكتشف أنها تسير بخط مُعاكس مع من يشاركها حياتها الزوجية، فهل تبقى حبيسة المنزل، أو حبيسة مهنة مُحددة كما يتمنى هو، أم تنطلق لتحقق أحلاماً وطموحاً يسكن في ذاكرتها؟
في المحتوى نجد كثيراً من الأقوال أو مُداخلات لحكم على لسان أدباء وشخصيات في بداية كل فصل، أو لوحة كما أطلقت عليها، غير أننا نرى أو قد يرى البعض ألا حاجة إلى إقحامها، إلا أنها لا تخل بالعمل، لكن قد تقطع حبل تفكير المُتلقي في لحظات التوغل في القراءة.تقدِّم الرواية عالماً جديداً لأجواء المجتمع الكويتي الجديد، حيث لم يعد ينحصر مجال تحرّك الإنسان في المنزل أو العمل أو الديوانية أو المدرسة، إنما رسمت لنا الكاتبة عوالم ومجالات مُتشكلة بألوان مختلفة صنعتها الألفية الجديدة، وهي مجالات الأعمال التطوعية وحضور حلقات قراءات الكتب، والمساهمة في الأعمال الخيرية خارج الكويت، حيث تنفتح لك مجالات أوسع وأرحب ونوافذ شتى، لتكتشف ملامح ووجوهاً تتعرف إليها ربما تتيح لك فرص حياة جديدة ومتغيرة.
أحداث برسم الواقع
تخسر بطلة الرواية إيمان منزلها وتنفك عرى أسرتها عندما يترك الرفيق المنزل بلا وداع، لتعيش وحدة ومعاناة مع أطفالها، وتتساءل: هل بإمكانها أن تتعايش مع الانكسار في مجتمع مُغلق أو الانسحاب؟ لكن تستمر بتأرجح، ونرى ذلك الكم من الألم في جمل تتوالى تدل على أسلوب الكاتبة. في لوحة عنوانها "ضلع يتكسر" نجد الجُمل التالية: "عندما شعرت بدوار شديد، شددت على رأسي بيدي فرميت بثقلي على أول أريكة بجانبي، شعرت كأنني أموج في تيار في أحد المحيطات، وكأن المجرات تتساقط علي، لأول مرة أشعر بخواء يزلزل صدري".تلك بداية فقرة تدل على المسار الأول في الرواية، وكأن الكاتبة تود أن تخاطب المتلقي لتستدرجه إلى أحداث مستقبلية من دون أن يحاول فك لغز الحروف والجمل، لهذا القارئ العادي لن يتوقف عن قراءة العمل حتى النهاية.حاولت الكاتبة أن تصنع واقعية العمل بأسلوب تقريري فأتخمت مادة الكتاب بمُفردات حياتنا الجديدة، مما أحدثته شبكات التواصل من عوالم جديدة، "الهاشتاغ، والتويتر، والإيميل، واللاب توب، والسكايب، والفيسبوك، والواتس آب"، وغيرها من مُفردات لم تقتحم حياتنا سابقاً، وهنا نرى تصوراً جديداً لمجتمعاتنا الخليجية وتؤكد مقولة العالم قرية صغيرة، حيث تتواصل بطلة الرواية إيمان مع ذلك البريطاني ديفيد عبر شبكات التواصل في محاولة منه للولوج في حياة البطلة لفهم ما يحدث في منطقتنا. نلحظ ذلك في مسارات تواصلها معه، إذ أغضبها عندما نشر عبر حسابه صورة لامرأة عربية يجرها عسكري، فكتبت غاضبة: "أرجوك احذفه الآن ألا ترى أنها امرأة مسلمة محجبة!!". هنا كانت بداية التوغل في فهم آخر غربي يصعب عليه الفهم. كانت تلك الصورة مدخلاً لحياة خلقتها الرواية مع آخرين في جماعات المصورين الذين هوايتهم الفوز بصورة تكون حدثاً عالمياً، أو قضية عالمية عبر تلاحم مجموعة مصورين من أنحاء العالم كافة لرسم معاناة إنسان هنا أو هناك عبر صورة قد تهز العالم.ملامح تعايش
على غلاف الكتاب الأخير تعترف الكاتبة أنوار التنيب بكيفية تعايشها مع بطلة عملها إيمان، وهنا كتبت للقارئ: "فقد تعلمت من بطلة روايتي أموراً ما توقعتها، أو ظننت أنني سأتعلمها أو أكتسبها، لقد قادتني بطلتي إيمان إلى حياة أخرى. أخرجتني معها من حيز محدود إلى عالم بلا حدود. الحقيقة أنني كنت أشعر عندما بدأت بنسج الرواية أنني أكتب بقلمين، قلمي وقلم البطلة، لذلك عندما ختمت الرواية وجدت أننا نصفق لبعضنا بحرارة".
تعترف التنيب بأن بطلة عملها إيمان قادتها إلى حياة أخرى
الكاتبة تخاطب المتلقي لتستدرجه إلى أحداث مستقبلية
الكاتبة تخاطب المتلقي لتستدرجه إلى أحداث مستقبلية