أبو محمد رجل مسن أتعبته السنون بعد أن قدم طوال 70 عاما الكثير من التضحيات، وخاض العديد من الصعاب، وواجه التحديات، ورغم كل ذلك كان سعيدا جداً، ولم يتذمر أو ييأس، وكان الجميع يحبونه ويحبُهم ويساعدونه ويساعدهم، والجيران فتحوا له بيوتهم، بل كان واحدا من أهل البيت يدخل ويخرج دون أي مشاكل، يشرب ويأكل دون حساب رغم الظروف المعيشية الصعبة، إلا أن تكاتف الجيران ومحبتهم وتعاضدهم كان يغطي على تلك المعاناة، ولكن الحال لم تدم، لأنه في ليلة وضحاها تغير كل شيء!أبو محمد يدخل في غيبوبة فجأة لمدة أيام، وبعد أن فاق منها فقد الذاكرة، يحاول أن يتذكر من يكون لم يستطع حتى الأطباء فشلوا في ذلك، أبناؤه أخذوا بيده وغادروا المستشفى، وتوجهوا به إلى المنزل، حيث كانت تنتظره الغالية أم محمد الذي خاض معها جولات وصولات في الحياة، ذرفت الدموع بعد أن استقبلته بشوق، ولكن جاء رده بسؤاله لها: من أنت؟!
يجلس فيلتف حوله بعض الجيران فيتساءل من هؤلاء؟! وابنه بعد أيام يأخذه إلى بعض دواوين الفريج لعله يسترجع ذاكرته، يجلس ويستمع لأحاديثهم التي لم تخلُ من الشكوى والهمّ، ومن مستجدات الحياة وتلاطم الأمواج، ومن جيران الفريج الآخر لأنهم "متهاوشين" مع فريج آخر أيضا، وباقي "الفرجان" عندها مشاكل أيضا مع الفريج الأول، يعني الأمور داخلة في بعضها، وأبو محمد يسمع ويقول داخل نفسه: الحمدلله أني ما عشت هذه المشاكل، رغم أنه عاصرها قبل أن يفقد الذاكرة.أبو محمد يخرج عن صمته أمام رواد الفريج وبصوت عال يسأل: "أنتم ما تملون من المشاكل؟ اشلون كُنتُم تقولون إنكم في الماضي متعاضدين ومتكاتفين مع باقي الفرجان واليوم تعانون صراعات ومشاكل معهم، وبعدين أنتم كلكم فرجان صغيرة وبينكم محبة ونسب وصلة قرابة وعندكم مشاكل، لا... أنتم غريبين عجيبين! أنتم تقولون إن الألفة اللي بينكم صعب أحد يفككها وعندكم مواثيق واتفاقيات وعهد ومجلس يجمعكم، ولكن اليوم الكل زعلان ومستعد لأي ردة فعل، ومتوترين والنَّاس اللي في الفرجان شايلين على بعض، ويتبادلون السب والقذف اللي صار بالعلن، والأغاني اللي كانت تفرح القلوب اليوم تحولت إلى همّ ونكد وتحذير ووعيد وهجوم. أنا بفهم اشلون تقولون إنكم عايشين طوال هالسنين مع بعض، وين العشرة والإخوة والمحبة، بيوم وليلة انتهت؟!".أحد الجيران يرد: الحكيم قائدنا سعى في الصلح وبذل كل المساعي وطبعا الكل يعرف إنسانيته ودوره في وحدة الصف وتفويت الفرصة على المتربصين، وقوته في منع الشرر عنا وحبه لنا كلنا، ومطالبته المستمرة للجميع بتفويت الفرصة على من يسعى إلى تشتيتنا لأن قوتنا في وحدتنا.أبو محمد: "الله يطول في عمره ويحفظه، ولكن وين الناس في هالفرجان؟! وين الزمان اللي تتكلمون عنه وعن ذكرياته الجميلة ومحبة وصفاء قلوب الناس والحكمة والعقل وتفويت الفرصة على أهل الشر في تفريقنا، وزرع الفتن بينا وقلب الموازين علينا؟! الله يحفظنا ويكفينا شر القادم من الأيام والسحب السوداء الملبدة بالغيوم التي تغطي سماء فرجاننا، ويحفظ أسرتنا وشعبنا من كل مكروه، لأن البدايات غير مطمئنة والنهايات ستكون هي الأصعب! والدائرة كل يوم تتوسع ويدخل في دوامتها جدد من الذين تدور حولهم الشبهات، والصراع مستمر وتبادل القذف يدخل من أوسع أبوابه، والحلم العربي أصبح من الماضي، عشتم وعاش السلام في منطقة النسيان!آخر الكلام:"بو محمد بعد ما رجعت له الذاكرة تمنى أن يبقى فاقدها ولا يشوف هالوضع اللي حاصل".
مقالات - اضافات
شوشرة: القادم أعظم!
17-11-2017