نقطة: الدنيا معرض والناس فهارس..
الأمور مترابطة، لكننا نحب أن ننفي الصلات بينها، ونحكم عليها بشكل تجريدي، لنبرئ أنفسنا مما سيحدث نتيجة لما ارتكبناه من مواقف متسرعة أو حسابات خاطئة، سواء كان عمداً أو غباءً أو لقصر النظر، فأسهل ما عليّ اليوم أن ألقي اللوم على وزارة الإعلام منفردة لمسؤوليتها عن تضييقات معرض الكتاب، ولا تنقصني الحصيلة الشعاراتية والتحريضية لأرمي لي كلمتين في "الكلوب" أبرئ فيهما ذمتي بادعاء القيام بالواجب دفاعاً عن الحريات، ورفض الوصاية، وما إلى ذلك من الجمل والعبارات الموسمية، وتمت العملية بنجاح، لكنني في هذه الحالة لا أضلل إلا نفسي قبل أن أضللك عزيزي القارئ، فوزارة الإعلام ليست المسؤولة الوحيدة، وقاعدة حسني البرزان بالربط بين ما يجري في إيطاليا والبرازيل سارية هنا بين عباده، فإذا أردت أن تعرف ماذا يجري في معرض الكتاب فعليك أن تعرف ماذا حدث في استجوابات وزراء الإعلام من سعود الناصر حتى سلمان الحمود، وما بينهما من أحداث ذات صلة."المبدأجي" هو الشخص الذي حين ينطلق بالحديث عن نفسه وتاريخه ومواقفه بالسياسة والحياة يكرر بين كل كلمة مبدأ ومبدأ... مبدأ، ولأنه ربما يشك في نفسه فتراه كثيراً ما يؤكد عليك أنه صاحب مبادئ لا تتزعزع ولا تلين، بحيث يجعلك تتمنى لو كنت أنت هو، ثم مع مرور الوقت والتجارب تكتشف صدق كلامه، فهو فعلاً يعرف فتاة اسمها "مبادئ"، وهو اسم نادر ومميز للأمانة، لكن كل شيء آخر لديه يتزعزع ويلين وقابل للانحناء والمساومة والتمرير والتبديل، وفي ذلك يتقاطع عمله مع "البنشرجي"، فكلاهما يعمل على تغيير كل ما يعوق تقدم مسيرة حياته، وهؤلاء "المبدأجية" هم سبب بلاوينا، ولا تهون وزارة الإعلام، فالمحرض ضد الحريات والشيطان الأخرس شريكان أساسيان للوزارة في عمليات الإبادة والمنع، فالكثير من الإخوة "المبدأجية"، الذين يتباكون اليوم على ما يجري في معرض الكتاب، هم من الشياطين الخرس المتغافلين عن المحرضين طوال العام، ثم يتذكر الواحد منهم مبادئه في موعد المعرض السنوي، ليزايد علينا قليلاً، ويجمع له كم كلمة مديح، ويعود بعدها ليدخل في بياته المبدئي.
قبل أن يصوب "المبدأجية" مدافعهم نحو وزارة الإعلام عليهم النظر إلى أنفسهم في المرآة ، فأنتم من اصطففتم وركضتم وراء المحرضين الإسلامويين من دعاة الحريات غامضة الملامح شفوياً والعاملين على وأدها تحريرياً، ولم تظهر مبادئكم عليهم، رغم علمكم بتحريضهم الدائم ضد الكتب والفن والطرب والموسيقى، وكل رائحة تغيير جميلة، بل وقدمتم التنازلات لهم واحداً تلو الآخر في سبيل شعارات هم لا يؤمنون بها أصلاً، وكنتم وقودها بكل فرح وترحاب، وبالتالي ما وزارة الإعلام إلا أداة بيد الأقوى والأقدر، وما استجواب آخر وزير إعلام بالأصالة إلا مثال على ضياع بوصلة مبادئكم، فقد وقفتم حينها ضد وزير قمع الحريات، حسب رأيكم، باستجواب مقدم ممن يطالبه بقمع أشد، لذا فإنه من الطبيعي أن يكون سلوك الوزير الذي يليه أشد قمعاً ومنعاً إرضاءً للمتشددين الأعلى ضجيجاً وأكثر عملاً، ولن يهتم عندئذ بالدفاع عن حرياتكم المزعومة كُرمى لكم ولرومانسيي "تويتر" والمجالس المحفوفة، فلم يستجوب وزير بالسابق عن كتاب منعه، ولكن استُجوب عن كتاب سمح بدخوله، وهذا هو الفرق بينكم.